حسن المدحوب
قبل إصابته في (14 فبراير/ شباط 2013)، ومن ثم وفاته في (22 من الشهر ذاته)، لم يكن يعرف محمود الكثيرون، فلم تكن أيام حياته تزيد على 22 عاماً، ومن عرفه، يعرف أنه أصغر إخوته العشرة المصاب أغلبهم وربما جميعهم بالسكلر. تخرج من الثانوية وعمل لمدة أسبوع واحد فقط، بعدها منعه السكلر من الانتظام في عمله، فغادره باحثاً عن عملٍ آخر لم يجده حتى اللحظة التي صوبت على رأسه الطلقة التي أودت بحياته، ونحتسبه عند الله شهيداً.
شريط الفيديو الذي بثه من قاموا بتوثيق حادثة الشهيد محمود، يظهر في ذلك الفيديو الموجود على موقع «اليوتيوب» رجال أمن يصوبون طلقات مسيل الدموع مباشرة على الجزء الأعلى من أجساد المتظاهرين، الذين لم يبدُ أنهم كانوا يحملون ما قد يلحق أذى كبيراً برجال الأمن.
إحدى تلك الطلقات وجهت مباشرة على رأس محمود ومن مسافة قريبة، وأودت بحياته، وعلى رغم وضوح المشهد إلا أننا لم نسمع أن وزارة الداخلية ولا حتى النيابة العامة، ولا أية جهة أخرى، قامت بفتح تحقيق في هذه الحادثة الخطيرة، مع التنويه إلى أن البحرينيين جميعاً لايزالون ينتظرون معرفة مصير ونتائج لجان التحقيق التي شكلت، بدءاً من التحقيق في حادثتي الشهيدين علي مشيمع وفاضل المتروك (فبراير/ شباط 2011)، مروراً بحادثة الشاخورة التي وقعت في (ديسمبر/ كانون الأول 2011)، فصفعة عالي (ديسمبر/ كانون الأول 2012)، وغيرها من القضايا.
كل ما قرأناه، هو إلقاء المسئولية في وفاة الجزيري على من حمله من موقع إصابته وحاول إسعافه، وهي مبررات تذكرنا بمقولة «قتله من أخرجه لا من طعنه بالسيف».
ما ندعو إليه، احتراماً للإنسانية والعدالة والإنصاف، فضلاً عن دستور البلاد والقوانين الرسمية، ليس فقط الإفراج عن جثمان الجزيري الموجود في السلمانية منذ سبعة أيام، فذاك حق بديهي، لكننا نرى وجوب فتح تحقيق نزيه وشفّاف في هذه الحادثة التي لا أعتقد أن أحداً من البحرينيين لا يتألم قلبه عند مشاهدة ما جرى فيها.
وما نود التأكيد عليه، أن دماء كل البحرينيين وغيرهم دماء محترمة، وحرمة إراقتها سواء، محمود ضحية أخرى تضاف لأرواح البحرينيين الطاهرة التي أريق منها ما يزيد على 100 نفس، ولا نحتاج اليوم أو غداً إلى ضحية أخرى من هذه الجهة أو تلك لنذهب إلى الحل السياسي الحقيقي الذي يجنب البلاد والعباد كل هذه الآلام والجراح.
الحل الأمني على رغم غلاظته وشدته، غير قادر على وأد مطالب البحرينيين العادلة بالحرية والكرامة والمساواة، فإذا كان محمود مضى لربه مأسوفاً على شبابه، فكم من محمود آخر في البحرين لا يرى بصيص أمل لمستقبل أفضل له ولأبنائه، وهل ستكون الحلول الأمنية قادرة على إسكات مطالب فطرية تتعلق بالحرية والكرامة والمساواة؟ الأزمة في البلاد سياسية بامتياز، لكن جوهرها يتعلق بالعدالة الاجتماعية، والمواطنة المتساوية بين كل البحرينيين. لسنا بحاجة لمانشيتات عريضة في الصحف تتحدث عن ذلك، بقدر ما نريد أن نجد هذه المطالب العادلة الحقة واقعاً حقيقياً يراه ويصدقه كل محمود على هذه الأرض.