تستعد المملكة العربية السعودية للإعلان عن الولادة القيصرية لكيان يضمّها والبحرين، أملته الهواجس الأمنية وضرورة مواجهة ما تعتبره "الأطماع الإيرانية".
تتقاطع معلومات من مصادر مختلفة أن الإعلان سيتم الاثنين بمناسبة انعقاد اللقاء التشاوري لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لبحث تسريع خطوات التحول إلى إتحاد، وفقا لدعوة أطلقها في ديسمبر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
المحلل السعودي عبدالعزيز الخميس يؤكد أن "الاتحاد السعودي البحريني تدخل جراحي استدعته الحاجة الطارئة" "لن تكسب منه السعودية سوى أن تشرعن ما يسمى بالبحرين الكبرى، حيث يعمل الانفصاليون في المنطقة الشرقية والبحرين على صياغة هذا المشروع، وهذا الاتحاد تشريع سياسي للحلم بانفصال المنطقة الشرقية في السعودية وانضمامها للبحرين لتشكل دولة البحرين الكبرى".
وإذا ما صحّت المعلومات المتوافرة، فإن الكيان الجديد سيحمل اسم "الاتحاد العربي الخليجي" حتى وإن كان هدفه الغير معلن امتصاص الانفجار البطيء لنظام ملكي سني واحتمال صعود الشيعة للسلطة بالقرب من المنطقة الشرقية للسعودية التي تحتوي على أغلبية شيعية وعلى حقول ومرافق بترولية.
ضرورة سياسية لمواجهة التحديات الإيرانية
يتفق العديد من المفكرين في الدول الخليجية الست (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين وعُمان) على أن "الاتحاد الخليجي" هو الحل الوحيد للتصدي للمد الإيراني وللحيلولة دون ان تلاقي البحرين مصير الجزر الإماراتية أبوموسى والطنبين الصغري والكبرى المحتلة من إيران التي طالما ادعت ملكيتها للبحرين.
وكان آخرهم محمد الرميحي، أستاذ علوم الاجتماع في جامعة الكويت، الذي تحدث السبت عن "أهداف الدولة الإيرانية القومية للهيمنة على المنطقة وذلك بتحريك بعض من مناصريها لإثارة أكبر قدر من التشويش في الداخل تحت شعارات مختلفة بعضها مطلبي وبعضها فئوي وفتح أبواب المعركة الإعلامية على مصاريعها عن طريق بث ما لا يقل عن أربع وعشرين محطة تلفزيونية موجهة إلى الخليج أساسا (…) والاستفزاز العسكري من مناورات متكررة وفتح معركة على الجزر الإماراتية".
وخلص إلى القول في مقال بعنوان "أوهام خليجية" بأن "الرد الخليجي المنطقي هو أن يكون هناك كيان سياسي موحد وقادر على مواجهة التحديات".
ومن قبله تحدث الكثير من السياسيين والمفكرين ـ من ضمنهم محمد جابر الأنصاري، مستشار الملك البحريني ـ عن ضرورة إقامة اتحاد خليجي ليكون بمثابة رسالة صريحة لطهران بأن المساس بأمن أي من أعضائه مساسا بأمن البقية.
اعتراضات بالجملة
غني عن القول بأن أكبر المعترضين على أي نوع من "الإتحاد" أو "الدمج" أو "الضمّ" هي إيران. ومنذ تسرّب خبر "الزواج السعودي البحريني" لم تتوقف وسائل الإعلام الإيرانية عن مهاجمة "محاولة السعودية شرعنة احتلالها للبحرين من خلال ما سمي بـ'اتحاد' بين اكبر دول الخليج الفارسي وأصغرها" (وكالة فارس للأنباء) و"قرار آل خليفة بيع البحرين وشعبها لآل سعود" (قناة العالم).
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر قريب من الحكومة القطرية قوله بأن الدوحة ترى في سعي السعودية للإتحاد مع البحرين "طريقة سعودية لتقويض العلاقات الثنائية بين دول الخليج وفرض جدول أعمالها عليها".
واتفق معه ديفيد روبرتس، نائب مدير المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن بالدوحة، الذي قال بأن "البحرين، قاعدة الأسطول الخامس الأميركي، هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تفكر جديا في مثل هذا الاتحاد"، متسائلا "ما الذي يمكن أن تجنيه قطر أو الإمارات أو الكويت على سبيل المثال من اتحاد خليجي؟".
وأضاف في مقال مطول "قطر في ذروة شعبيتها الدولية في الوقت الحالي وهي أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي ولا يبدو أن التخلي عن أية سلطات سيفيد الدوحة بأي شكل من الأشكال".
واسترسل قائلا "نفس الشيء ينطبق على الإمارات (…) إن التخلي عن قدر من الحكم الذاتي لن يناسبها. والسبب الرئيسي الذي جعل الإمارات تنسحب من العملة الموحدة لمجلس التعاون هو أن أبو ظبي لم تحتمل فكرة وجود البنك المركزي في الرياض".
"أما والكويت، فهي منشغلة بمشاكلها مع وجود هذا البرلمان المشاكس دائما. والشيء الوحيد الأكيد بالنسبة لوجود الكويت في هذا الاتحاد بين دول مجلس التعاون هو أنه سيعقد ويفاقم من مشاكلها البرلمانية المستعصية".
وعبّر العديد من الشيعة البحرينيين عن امتعاضهم من الإتحاد السعودي البحريني المزعوم، قائلين على مواقعهم الإلكترونية بأن "القصد منه هو تغيير تركيبتها السكانية" و"إعطاء مبرر لتواجد القوات السعودية فيها والتغطية على كل تجاوزاتها".
وقال آخرون أنها "وحدة ملفقة لن تكتب لها الحياة لأنها لا تعبر عن ارادة الشعبين البحريني والسعودي" وأن "الشعب البحريني هو من يقرر مصيره عبر استفتاء شعبي" وأن "الحل الافضل لخلاص البحرين هو اشراك الشعب في الحكم".
وسخر أحدهم بالقول "شكرا لإيران لأنها جعلتنا نتوحد".
وعلّق راشد الراشد، القيادي في تيار العمل الاسلامي، في مقابلة خاصة مع وكالة انباء فارس حول "ضم البحرين للسعودية" بالقول أن "لبحرين حاليا تقع من الناحية الفعلية تحت السيطرة السعودية الكاملة. وفي حال تم السماح بالضم وفرضه كأمر واقع، سيشكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية".
لكنه أشار إلى أنه "من المؤكد بأن ذلك سيتيح فرصة اكبر لقوى المعارضة السياسية في البحرين للتحرك بمرونة وحرية اكبر على نطاق أوسع يشمل شبه الجزيرة العربية، ولذلك ربما يكون هذا الإتحاد عنوان التغيير الشامل القادم والمرتقب لكل منطقة الخليج. ربما يكون هذا الإتحاد هو مفتاح الشيعة لخلق كيانهم الكبير في المنطقة".
وأتفق معه الإعلامي والمحلل السعودي عبدالعزيز الخميس في القول بأن ما أسماه "تدخل جراحي استدعته الحاجة الطارئة" "لن تكسب منه السعودية سوى أن تشرعن ما يسمى بالبحرين الكبرى، حيث يعمل الانفصاليون في المنطقة الشرقية والبحرين على صياغة هذا المشروع، وهذا الاتحاد تشريع سياسي للحلم بانفصال المنطقة الشرقية في السعودية وانضمامها للبحرين لتشكل دولة البحرين الكبرى".
وأضاف الخميس ساخرا "إنه تحالف شيوخ وليس وحدة شعوب. إنه إتحاد شكلي الهدف منه القول للعالم ان لا أغلبية شيعية في البحرين. ليس الأمر فزعة شيخ قبيلة لشيخ قبيلة أخر، فالأمر أكبر من ذلك. إنها مصائر شعوب، وتبعات سياسية لن تسهم في تقوية الموقف البحريني بل ستضعف الموقف السعودي.
ستتحمل السعودية صراعا طائفيا اكبر مما هي فيه، وسيتم ضم آلاف من الحركيين الشيعة ليصبحوا مواطنين اتحاد يحق لهم عبره سياسيا النضال ضد النظام السعودي شريكهم في الاتحاد".
أضعف الإيمان سكّة حديد
الشيء المؤكّد هو الإعلان قريبا عن الترتيبات النهائية لمشروع يربط السعودية بالبحرين بسكة حديد متكاملة ربما تكون مكملة للمشروع الأكبر وهو سكة الحديد الخليجية – العربية.
وقد جاءت تصريحات وزير المالية السعودي إبراهيم العساف مطمئنة حول هذا المشروع الإستراتيجي، حيث كشف أن وزراء المالية والاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي ناقشوا خلال اجتماعهم الأخير في الرياض الدراسات التفصيلية للمشروع.
وكان مستشار البنك الدولي في أمانة دول مجلس التعاون الخليجي رامز العسار قد كشف مؤخرا أن تكلفة "مشروع الجسر السككي المقترح إنشاؤه بين السعودية والبحرين بموازاة جسر الملك فهد تبلغ نحو 16.8 مليار ريال" (حوالي 4.5 مليار دولار). ومن المقرر البدء في الأعمال الميدانية قي 2012 ليدخل المشروع حيز التشغيل في 2017.
علّق المحلل السياسي السعودي محمد العسكر بالقول أن "العلاقات السعودية – البحرينية هي الأقرب بين دول المجلس الست، لأنها ترتكز على الهواجس الأمنية التي بموجبها تتداخل هموم الطرفين تجاه عدم التراخي مع أي إصلاحات قد تفسر على أنها تنازلات لقوى المعارضة الوطنية ذات الدلالة الطائفية في غالبيتها، وأن أي تكامل اقتصادي وسياسي لابد أن يراعي القلق المسيطر من توجهات إيران التوسعية التاريخية في الخليج العربي".
وأضاف العسكر في حديث مع "ميدل ايست أونلاين" "لقد بدأت الرياض في بناء تقارب إستراتيجي منذ السبعينات الميلادية وصل إلى حد التنسيق الدقيق في مجالات حيوية منها النفط السعودي الذي يسير عجلة المصافي البحرينية عبر تنازلات عن الحقول المنتجة المشتركة وإنشاء الجسر الذي يربط بين البلدين والمزمع إقامة سكة حديدية عليه تتخطى النقل والمواصلات، وكذلك دعم المؤسسات البنكية والإعلامية في المنامة".
لكنه أضاف قائلا "إن التفكير في وحدة تنصهر فيها الشقيقة الصغرى في قلب الكبرى لن يكون تحقيقه سهلا، وقد يكون فيه مخاطر قد يدفع بدول المجلس الأخرى لمعارضته لأنه يشكل تكتلا يخل بموازين القوى بينهم وخصوصا فيما يتعلق بدولة قطر وخلافاتها المزمنة مع الجارتين، علاوة على التحركات الإيرانية المستنفرة التي ستنظر إلى ذلك على أنه مقصود لإزعاج مصالحها".
مجلة الجزيرة العربية » السعودية الأحد 13-05-2012