عبدالنبي العكري
إن مجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول، ينتظره استحقاق بشأن الاستجابة الإيجابية للتغييرات الكاسحة التي تجتاح العالم العربي في ظل الربيع العربي. ويتطلب تحويره من بنية مفروضة من فوق لتعكس توافق ممثلي الشعوب والحكومات على بنية سياسية جديدة، بحسب نموذج الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار نستعرض خصوصيات وتباينات مختلف دول المجلس.
البحرين
تعود المطالب بالإصلاحات إلى 14 فبراير/ شباط 2004، عندما انعقد المؤتمر الدستوري الأول الذي تشكل من جمعيات وشخصيات سياسية ومجتمعية بمن فيهم مجموعة المحامين، والتي ستلعب دوراً مهماً فيه. وقد صاغ المؤتمر الدستوري تعديلات دستورية ونظّم حملة شعبية وبرلمانية للترويج لهذه التعديلات.
في أكتوبر/ تشرين الاول 2006 قدمت كتلة «الوفاق» المشكلة من 18 نائباً، مشروعاً لتعديلات دستورية إلى البرلمان، في حين تم جمع ما يزيد عن مئة ألف توقيع على عريضة موجهة إلى ملك البلاد تأييداً للتعديلات الدستورية، لكن سيطرة الدولة على البرلمان وتجاهل الرغبة الشعبية أحبط الإصلاح الدستوري حينئذ.
كان وسيظل الإصلاح الدستوري في قلب حركة 14 فبراير 2011، على رغم رفض الموالين لأي إصلاح حقيقي، فإن غالبية السكان والقوى السياسية الحقيقية تطالب بإصلاح جذري باتجاه مملكة دستورية ديمقراطية. وتجسد ذلك في رسالة تحالف المعارضة (7 جمعيات) إلى سمو ولي العهد للدخول في مفاوضاتٍ للوصول إلى تسوية. وقد أعلن ولي العهد في 13 مارس/ اذار 2011 مشروعه للتسوية من 7 نقاط بما في ذلك الإصلاح الشامل، ويتضمن رئيس وزراء من اختيار الناس، دوائر انتخابية أكثر توازناً، برلمان بسلطة حقيقية، تعديل الدستور، التحقيق في قضايا الفساد بما في ذلك الاستيلاء على أراضي الدولة، والتحقيق في الانتهاكات الخطيرة ضد المواطنين، وحق الاعتصام مادام سلمياً.
وجاء إعلان حالة السلامة ليجهض التسوية التفاوضية ودخلت البلاد في أزمة عميقة استمرت حتى الآن. وعلى الرغم من كل الفظاعات ظلت المعارضة متمسكة بتسوية تشمل الإصلاح الشامل. كما ان تنظيم «الحوار الوطني الشامل» خلال يونيو/ حزيران 2011 والذي ضم 335 مندوباً حيث تمثلت المعارضة بـ 35 فقط، فإن التوصيات ظلت دون الإصلاح الشامل.
في 22 أكتوبر 2011 أقرت المعارضة «إعلان المنامة»، الذي فصّل مطالبها لإصلاح جذري يؤدي إلى ملكية دستورية، وبعد فترة جس نبض قصيرة توقفت الاتصالات بين النظام والمعارضة، حيث تخلى النظام عن المفاوضات، وظلت حالة اضطراب ومواجهات مستمرة وخسائر وانحدار اقتصادي.
الكويت
يتفاخر الكويتيون بأن ربيعهم سبق الربيع العربي بسنوات. فقد تحالف شباب من مختلف الأطياف مستخدمين وسائط الإعلام والتواصل الالكتروني في شن حملة ناجحة لحصول المرأة على حقوقها السياسية في الترشح والانتخاب لمجلس الأمة في 2005 حيث خيضت الانتخابات لتشمل المواطنين المؤهلين رجالا ونساء لأول مرة منذ 1962. وفازت أربع نساء بمقاعد في مجلس 2010، لكن للأسف لم تفز أي امرأة في انتخابات فبراير 2012. كما أن شبكة الشباب هذه نجحت في حملتها لتحويل نظام الدوائر الانتخابية من 25 دائرة إلى 5 دوائر تحت شعار (نبيها خمسة).
ووسط الابتهاج بالربيع العربي تحرك الشباب الكويتي مجدداً في العالمين الافتراضي والواقعي، معتصمين في ساحة الإرادة المواجهة لمجلس الأمة، منذ بداية سبتمبر/ ايلول 2011، مطالبين بإقالة الحكومة وحل مجلس الأمة وسط ضباب من الشك بتورطهما في فضيحة فساد مالي وسياسي.
وقد استجاب أمير الكويت وأقال الحكومة وحل البرلمان، وتبع ذلك تشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات مطلع فبراير 2012، ترتب عليها وصول أغلبية إسلامية معارضة. وكان الإصلاح الجذري والدستوري قضية مركزية رغم انه لم يكن في مقدمة برامج المرشحين. ظلت المعارضة الكويتية تعارض تاريخياً تعديل الدستور لأن ذلك مدفوع من قبل الحكم لإضعاف سلطة مجلس الأمة والمشاركة الشعبية والحد من الحريات العامة، لكنها هذه المرة مختلفة.
لقد حدثت انعطافة مفاجئة عندما أصدرت المحكمة الدستورية حكمها بإبطال المرسوم الأميري بحلّ مجلس الأمة السابق والدعوة لانتخاب المجلس الحالي، وبالتالي طلبت من الأمير حل مجلس الأمة الحالي، والدعوة لانعقاد المجلس السابق وإقالة الحكومة. وهكذا كلف الأمير رئيس الحكومة بإعادة تشكيل الحكومة القديمة/ الجديدة ودعا مجلس 2010 إلى الانعقاد، لكن 30 نائباً قدّموا استقالاتهم وحالوا دون انعقاد المجلس القديم. كما فشل رئيسه جاسم الخرافي في تأمين نصاب الانعقاد حيث لم يحضر لمرتين سوى 5 نواب منتخبين من ضمن 50 و4 وزراء/ نواب الأمر الواقع من ضمن 15، فدخلت البلاد في مأزق، لكن ذلك حفّز الشباب والآخرين باستئناف الاحتجاجات في ساحة الإرادة وحفز المعارضة لتجذير مطالبها، بما في ذلك المطالبة بإصلاح جذري ودستوري، المرفوض سابقاً، وذلك يشمل تحويل الكويت إلى دولة دستورية ديمقراطية، وحصر عضوية مجلس الأمة بالنواب المنتخبين (فيما الوزراء حالياً أعضاء المجلس حكماً)، وأن يكلّف الأمير رئيس الوزراء ممن ترشحه أكبر كتلة أو تحالف برلماني، وإنهاء هيمنة الأسرة على الدولة وابتعادهم عن التدخل في السياسات العامة. ويبدو أن الكويت دخلت مرحلة جديدة من السعي للإصلاح الجذري الديمقراطي لكن عدم اليقين لايزال سائداً.
عمان
شهدت سلطنة عمان انتفاضة لا سابق لها في 17 فبراير 2011، في أهم ثلاث ولايات وهي مسقط العاصمة، وصحار العاصمة الصناعية، وصلالة عاصمة ظفار. ولكن تم تجاهلها من قبل وسائط الإعلام والمجتمع الدولي، واستمرت الانتفاضة شهراً وتعرضت للقمع، وقد استخدم الشباب وسائل مشابهة للشباب العربي وردّدوا مطالب من بينها:
إصدار دستور عقدي، استئصال الفساد المستشري، إيجاد حل لمعضلة البطالة المستشرية في أوساط الخريجين والشباب والنساء، وضمان أن الأمة مصدر السلطات والشرعية، إصلاح السلطة التشريعية والرقابية، بحيث تكون هناك انتخابات حرة لبرلمان ذي صلاحيات كاملة… بينما الآن تتشكل السلطة التشريعية من مجلسين (الشورى شبه المنتخب ومجلس الدولة المعين من مسئولين كبار سابقين) يشكلان في اجتماعهما المشترك مجلس عمان، بصلاحيات استشارية.
وأقدم السلطان على بعض الخطوات لمعالجة مطالب المحتجين، وجرى إقالة مسئولين ووزراء كبار، وتوفير آلاف من فرص العمل في القطاعين العام والخاص، وضمان حصول خريجي الثانوية على منح دراسية. وفي حين جرى إطلاق سراح معظم المعتقلين فان البعض تجري محاكمته وتم اصدار أحكام بالسجن بشأنهم.
ان الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات مازالت قائمة، والمطالب الرئيسية لم تتحقق بعد، والإصلاح الدستوري لايزال بعيداً، وخصوصاً مع حملة الاعتقالات والحكم على العديد من النشطاء الحقوقيين والسياسيين العمانيين.
الإمارات وقطر
في بداية 2011، تقدم عدد من المثقفين والأكاديميين بعريضة إلى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، يطالبونه فيها بدستور ديمقراطي جديد وبرلمان منتخب بإرادة شعبية. واتخذت الإمارات عدداً من الإجراءات الاقتصادية والسياسية لاحتواء مطالب النخبة والأغلبية الصامتة من المواطنين بتوسيع قاعدة من يحق لهم الترشيح والاقتراع، لتشمل 15 في المئة من المواطنين البالغين سن الاقتراع. ونظمت انتخابات للمجلس الوطني المنتخب جزئياً، لكن لم يصاحب ذلك توسيع صلاحيات المجلس ولا حملات انتخابية. وكان الاقبال على الانتخابات ضعيفاً، بسبب هبوط التوقعات، وكانت المحصلة محدودة.
قدمت الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات «مكرمات» للمواطنين، ومنها زيادة كبيرة في رواتب الموظفين الحكوميين من المواطنين والمتقاعدين، وكذلك المعونات التي يحصل عليها ذوو الاحتياجات الاقتصادية. وفي الوقت ذاته قامت بحملة لا سابق لها من الاعتقالات والمحاكمات ونزع الجنسية عن العديد من النشطاء السياسيين والحقوقيين وتشويه سمعتهم. وحيث ان المواطنين أقلية ضئيلة محظوظة، فستظل المطالبة بإصلاحات سياسية بما فيها الدستورية، محصورةً في إطار النخبة.
ظلت قطر هي الاستثناء والتي لم تشهد أية احتجاجات واقتصر الأمر على عريضة قدمت إلى الأمير من قبل مجموعة صغيرة من المثقفين يطالبون فيها بتفعيل الدستور الذي جرت الموافقة عليه في استفتاء العام 2006، وقد وعد الأمير بإجراء انتخابات نيابية في العام 2013.
إن القاسم المشترك في معالجة أغلب الأنظمة الخليجية لحركة الاحتجاجات هو تقديم مبالغ مالية لمواطنيهم، حيث شمل ذلك زيادة الرواتب والمنافع التي يحصل عليها الموظفون العموميون والمتقاعدون ومجموعات أخرى، وخلق فرص عمل ومشاريع إسكان.
وربما يعجب البعض لماذا ينتفض مواطنون يتمتعون بالامتيازات المذكورة… وتفسيره في ذلك النزوع البشري إلى الكرامة. كما أن هناك قضايا رئيسية أخرى كالتناقض الفاضح بين الثروة التي تتمتع بها هذه البلدان ومشاريع التنمية المتعثرة، والفجوة الكبيرة بين مجتمع طموح للتغيير ونظام سياسي ثابت.
وبغض النظر عما جرى، والتقييمات التي تتراوح ما بين الربيع الدموي والربيع المزهر، فإن الربيع العربي لا سابق له، ولا يمكن إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. فهناك عدة قضايا ودوافع متشابكة، وفي قلب هذه المسألة التطلع إلى عالم جديد حيث ضمان الكرامة والمواطنة المتساوية. وكما أن الثورة عملية مستمرة، فإن الإصلاح الديمقراطي الحقيقي مستمر كذلك، وقد يترتب على بعض الإصلاحات نتائج محبطة، وقد يكون بعضها دون التوقعات، لكن التغيير قد بدأ، ودشنت مرحلة جديدة في العالم العربي، وهذا يصح على دول مجلس التعاون الخليجي كما يصح على غيره من بلدان الوطن العربي، ويظل الإصلاح الديمقراطي الهدف الرئيسي لنضال العرب لعقود.