مع كتابة هذه السطور يتواصل شلال الدم لأهلنا في «غزة هاشم» الصابرة المجاهدة بأهلها والتي تدفع اليوم ثمن مصابرتها وإصرارها على مقاومة العدوان الصهيوني الغاصب، تدفع.
ثمن جهاد أبنائها وحقهم في حياة حرة كريمة على أرضهم، بعد أن فرّط بها وبأهلها العرب الأقربون الذين يريدون إسكات صوت كل مقاوم خوفاً على كراسيهم وخوفاً من غضب أميركا عليهم، غزة مدينة سماها العرب «غزة هاشم» نسبة إلى هاشم بن عبدمناف جد الرسول محمد، الذي مات فيها وهو راجع إلى الحجاز، غزة هاشم التي أذاق أهلها الطعم المر للاحتلال الصهيوني البغيض حتى تمنى إسحق رابين أن يصحو وقد أصبحت غزة في قاع البحر. ما يحدث في غزة هو عار على النظام العربي الرسمي الذي تتواصل اتصالاته مع العدو الصهيوني في السر والعلن، ما معنى أن يجتمع مجلس الجامعة العربية ولا اتفاق فتؤجل اجتماعاته؟ لماذا تحاول دول عربية منع عقد القمة العربية حتى لا تحرج الأنظمة العربية المتواطئة سراً وعلناً في هذا العدوان؟ فالصمت تآمر والمشاركة في الحصار والتجويع تآمر واستمرار الاتصالات وموقف اللاموقف تآمر. لماذا جرت كل مفاوضات ما يسمى بالسلام مع هذا الكيان الغاصب الذي ديدنه الإجرام وارتكاب المذابح من دير ياسين وبحر البقر وقانا وجنين والجنوب اللبناني؟ ما معنى أن تمارس الحكومات العربية الصمت والتخاذل تجاه الحصار المتواصل المفروض على غزة، وانتهاء بهذه المذابح المروعة قي غزة؟ الكيان الصهيوني ما كان ليجرؤ على مواصلة الحصار وارتكاب المجزرة تلو الأخرى لولا هذا الهوان العربي والتخاذل والتآمر لإسقاط ومحاربة كل قوى الممانعة في الوطن العربي، الحصار والتجويع يتواصل وأنظمة الراهن العربي تواصل محاولات التطبيع ومفاوضات السلام العقيمة التي لم تجلب سوى مزيد من الجوع والقتل والاستيطان، بينما أثبت نهج المقاومة أنه هو الرد الفاعل لدحر الاحتلال، وهذا ما مارسته المقاومة الباسلة في جنوب لبنان، وفي غزة عبر إجبار إسرائيل على إخلاء مستوطناتها هناك في العام ,2005 وفي العراق بإفشال المخطط الأميركي للهيمنة على المنطقة وسيادة إسرائيل عليها. ماذا جلبت لنا مفاوضات أوسلو ومدريد ومفاوضات كامب ديفيد بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ هل أقامت الدولة الفلسطينية؟ هل حررت الضفة الغربية التي لا يستطيع شخص أن يتحرك من منطقة إلى أخرى إلا بأمر الاحتلال وعسكره؟ هل أوقفت مسلسل الاستيطان؟ هل حررت القدس أو حققت لأهلها عيشاً كريماً؟ هل منعت هجمات المستوطنين على سكان الضفة؟ هل أزالت حاجزاً من حواجز الاحتلال التي جعلت من الضفة الغربية أشلاء مقطعة؟ لم تجلب تلك المفاوضات إلا الويلات ومزيداً من المستوطنات ومواصلة محاولات تهويد القدس وابتلاع أراضي الضفة.
إن النظام العربي الرسمي يتناغم اليوم – مع الأسف – مع الأوامر التي تصدر من أميركا وإسرائيل للتخلص من كل مقاومة أو ممانعة لكي يتحقق لهما مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على تمزيق الدول العربية إلى كيانات طائفية، بل وبعد أن قبرت المقاومة العراقية الباسلة والمقاومة اللبنانية البطلة في حرب تموز ,2006 مشروع الشرق الأوسط، نجد من يتبرع لمحاولة إحيائه عبر طرح صيغ تحت مسميات قيام منظمة مشتركة للمنطقة تحت دعاوى الحوار والمفاوضات. لا نطلب من الأنظمة العربية شيئاً، فقد يئست الناس من أن تطلب من فاقد للشيء، فقد ازدادت الشقة بين الجماهير العربية وأنظمتها، وأضحت آمال الناس وتطلعاتهم في واد والأنظمة العربية في واد آخر. ماذا نقول غير أن نستصرخ الضمائر إنْ بقي فيها نبض أو تبقى رمق من نخوة، ونقول كما كانت صرخة الحسين في كربلاء: «ارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم عرباً أتراباً، وإن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم».