ذكرى الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر لا تهُم الغرب، وعلى الأخص أمريكا، فقط وإنٌما تهمنا نحن العرب والمسلمين أيضاً، وبنفس القوة إن لم تكن أكثر. لماذا ذلك؟ لأن تعامل الغرب، وعلى الأخص وسائله الإعلامية، مع ذكرى قد تستعاد وتحيى عبر العقود والقرون، تعامله مليء بالأخطاء والخطايا، أفدح الأخطاء هو نظر الغرب لهذه الذكرى وعرض مآسيها وأحزانها دون أخذ أيُ اعتبار لما قبلها ولا لما بعدها.
فملايين الغرب يشاهدون سنوياً عائلات الضًحايا الأبرياء وهم يبكون وصور الدمار الذي حلً ببعض كبرى المباني الأمريكية فيثور غضبهم وتتحرًك نخوتهم الإنسانية فيلعنوا ويكرهوا الفاعلين ومن ثمُ الشعوب والحضارة العربية التي ينتمي لها الفاعلون. وعبر الزمن تزداد الكراهية وتتًّسع الفجوة بين عالمنا وعالمهم.
السؤال: لماذا لا يتعامل الإعلام الغربي وخطباء المناسبة بموضوعية وعدالة وتوازن مع هذه الذكرى، فيعرضون، في نفس اللحظة التي يعرضون فيها صور مأساة ثلاثة آلاف أمريكي وليس بعد أيام وشهور، مأساة مليون قتيل وخمسة ملايين مشًردين من العراقيين ومأساة الألوف من الأفغان والباكستانيين الذين دفعوا جميعاً، كضحايا أبرياء، ثمن الانتقام المجنون للضحايا الأمريكيين؟ لماذا لا يرى الغربي العادي، وفي نفس اللحظة التي يرى فيها صور البنايات الأمريكية المدمًرة، يرى أيضاً الدُمار الشامل الذي حلً بمدن العراق وأفغانستان من جرُاء التدخُل العسكري الهمجي للجيوش الأمريكية وحلفائها؟
عند ذاك سيكون الغضب والكره عند المواطن الغربي على المستوى الإنساني وليس المستوى الحضاري. إنٌه ضدُ كل من يعتدي على الأبرياء وعلى كل من يروِّع المجتمعات سواء أكان من الشرق أم الغرب، أكان فرداً أم حكومة، أكان باسم الجهاد المجنون أم باسم الانتقام الحيواني الشيطاني.
لا يحق للإعلام الغربي أن يتعامل بالذُّات مع هذه الذكرى مجزَأة، إذ لها خصوصية سياسية وحضارية تتعلق بمستقبل العلاقة بين العالمين العربي والإسلامي وبين العالم الغربي، ولأن أغلب الذين يتسمًرون أمام شاشات التلفزيونات الغربية يوم الحادي عشر من كل أيلول/ سبتمبر لن يهتمُوا ولن يجلسوا ليشاهدوا بعد شهر أو سنة عرضاً محدوداً لعدد قليل من قنوات التلفزة لمأساة ما فلعله المجرمان بلير وبوش بأناس أبرياء، وذلك باسم حقٍّ أريد به باطل.
دعنا نكون واضحين: إن مشكلتنا الأساسية مع الغرب تكمن في أنه لا يعتبر العالمين العربي والإسلامي جزءاً من عالمه وحيٍزه الحضاري. إنه يعتبرهما عالمين خارجين ومنفصلين عن عالمه الذاتي. فلو أن مأساة سقوط ملايين الضحايا كثمن للإنتقام لبضعة ألوف طالت ساكني الغرب أنفسهم لما تردًد الإعلام الغربي وساسته عن النظر إلى ذكرى تلك المآسي كموضوع متكامل له ما قبله وما بعده ليدخلوه كمشاعر متوازنة في قلوب الملايين. لكنً الإعلام الغربي بوجهين وبألف قناع.
أتذكًر أن نفس الخاطرة عن رفض الغرب اعتبارنا جزءاً من عالمه خطرت لي وأنا أقرأ كتاب عالم النفس والفيلسوف الأمريكي أريك فروم المعنون ' فنً القدرة على المحبًة ' عند وصفه لحبٍ الإنسان لربًه يفرٍق بين حب الله الذهني (عن طريق الإيمان) وحب الله السلوكي (عن طريق العمل). يخلص فروم إلى أن الديانات التوحيدية الثلاث تدعو لممارسة النوع الأول الذهني من محبًة الله بينما أن الديانات الآسيوية مثل الصينية والهندية تحثً على ممارسة النوع الثاني، حب الله عن طريق العمل.
لكنه فجأة يضيف بأن اليهودية هي استثناء، إذ أن دعوة محبة الله عن طريق العمل بارزة فيها أكثر من الديانات التوحيدية الأخرى. لكن لو أن فروم كان يعتبر الدين الإسلامي، وليس المسيحية ـ اليهودية فقط، جزءاً من عالم الغرب الحضاري، وليس ديناً لا ينتمي بأي شكل من الأشكال لحضارته، لعرف أن الإسلام قد حلً إشكالية الثنائية تلك حلاً جذرياً عندما قرن، في مئات الآيات من قرآنه الكريم، الإيمان بالله بالعمل الصالح (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وبذلك جعل محبًة الله وطاعته ذهنية وعملية إلى أبعد الحدود. عند ذاك يُكون فروم قد عالج الموضوع بموضوعية وتوازن وانفتاح على العوالم الأخرى، ويكون قد أدًى إلى انفتاح الغربي أكثر فأكثر على الآخرين، ويكون قد قارب الإنسانية بدلاً من تباعدها الحضاري المنغلق على نفسه.
وتتكرر المشكلة التي نحن بصددها بألف شكل ومع ألف كاتب ومفكر وإعلامي غربي. ولذا فإلى أن يقبل الغرب إدخالنا في عالمه الحضاري والإنساني ويتعامل معنا كجزء من ذلك العالم سيظلُ البرزخ بينهم وبيننا كبيراً وسيكون التفاهم بطيئاً ومتعثٍّراَ.
لقد أدخلنا نحن عالم الغرب في عالمنا العربي والإسلامي الحضاري والإنساني منذ أكثر من قرنين، والسؤال : متى سيبادلنا الغرب بخطوة مماثلة ؟ قضية بناء الأسوار لفصل العوالم تجعلنا
وتجعل الغرب في حيرة وشكٍّ ولا تؤدٍّي إلاُ إلى الأحزان والفواجع.
الأربعاء, 14 سبتمبر 2011 التجديد العربي