هاني الفردان
عدّلت المحكمة الكبرى الجنائية الثالثة الوصف والقيد في قضية مقتل علي المؤمن وعيسى عبدالحسن والقضية الأخرى بمقتل هاني عبدالعزيز، من تهمة الاعتداء على سلامة جسم المجني عليهم وقتلهم من دون قصد، إلى تهمة القتل العمد.
خبر مهم جداً، إذا ما علمنا أن المتهمين في القضية هم من منتسبي وزارة الداخلية (ضابط وشرطيان)، وإذا ما علمنا أيضاً أن القضية كان من المفترض أن يصدر فيها حكم يوم أمس الأول الإثنين (25 يونيو/ حزيران 2012) بتهمة القتل بغير قصد.
تطورات جديدة شهدتها قضية قتل ثلاثة مواطنين من قبل رجال الأمن خلال الأحداث الماضية، فتهمة القتل بغير قصد تصل عقوبتها بأقصى حد إلى سبع سنوات، ولكن القتل العمد قد يكون فيها الإعدام حكماً نهائياً، أو السجن المؤبد في حالة الإدانة، وخصوصاً أن المتهمين موظفون عموميون وارتكبوا الواقعة وهم أثناء عملهم.
ولكن السؤال يبقى حائراً في أذهان الجميع، منذ أشهر طويلة وقضايا قتل مواطنين من قبل منتسبي وزارة الداخلية تدور رحاها في القضاء، إلا أننا لم نسمع عن توقيف متهم واحد حتى الآن.
مازال المتهمون في قضايا القتل العمد من منتسبي وزارة الداخلية «يسرحون ويمرحون»، على رغم أنهم بذلك يشكّلون خطراً حقيقياً على المجتمع وأمنه، مع وجود احتمالية هربهم. فقضية القتل العمد تعد من أخطر الجرائم، ويفترض حبس المتهم فيها بسبب الخطورة الجرمية، لما يمثله من خطر على المجتمع، وعلى الأدلة، مع احتمالية التأثير على الشهود والهرب من العدالة.
معادلة غير متوازنة أبداً، عندما نشهد قضايا جداً عادية، وفي الكثير من الأحيان تكون جنحاً وليست جنائية، يتم فيها التحفظ على المتهم لأيام طويلة بدواعي «التحقيق»، وقد يرفض القاضي الإفراج عنهم حتى بأي ضمان.
طفل يبلغ من العمر 13 عاماً أودع الحبس لأربعة عشر يوماً بتهمة تمزيق قميص شرطي فخسر دراسته. فتاة جامعية مازالت في الحبس بتهمة الاعتداء على شرطي وخسرت امتحاناتها. ناشط حقوقي متهم بالقذف مازال موقوفاً وقضيته تدور رحاها في القضاء. قضايا لا عدّ لها ولا حصر تحت خانة التجمهر والتعبير عن الرأي، يحبسون لمدد طويلة، دون أن يفرج عنهم ولو بأي ضمان.
كل ما ذكرتهم عيّنة بسيطة من قضايا لا تهدد الأمن ولا المجتمع، ولا مجال لتأثير على الشهود أو الأدلة، ولكن هم في السجون باقون.
قاتلون عمداً وفق تحقيق قضائي، ومع ذلك هم أحرار، يسرحون ويمرحون.
سؤال من حقنا طرحه: لماذا كل المتهمين من منتسبي الجهاز الأمني والذين ارتكبوا جرائم القتل والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان في حق المواطنين، يسرحون ويمرحون رغم التهم الموجهة لهم؟ ولماذا عندما يقع حادث مرور ويذهب ضحية الحادث إنسان، يحبس المتسبب في الحادث مباشرة رغم أن القضية تأتي ضمن الجرائم غير العمدية؟ فيما يسرح ويمرح من هو متهم بالقتل العمد؟
التشريع البحريني نص في المادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: «إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه أن الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، جاز لعضو النيابة العامة أن يصدر أمراً بحبس المتهم احتياطياً». وهذه المادة تؤكد أن الحبس الاحتياطي يمكن إيقاعه على جرائم الجنح، فما بال الجرائم الكبرى كالقتل العمد، والتي يكون فيها خطر المتهم على المجتمع أكبر بكثير من أي خطر آخر.
قد لا نحتاج إلى إجابة بقدر حاجتنا إلى العدالة، عدالة أن يكون الجميع أمامها سواسية كأسنان المشط، لا فضل لرجل أمن على مواطن عادي.