لعل واحداً من أخطر ما يمكن أن يحدث في مجتمع ما هو أن تشعر فئة منه أن مستقبلها انتهى، وأن سقفاً قد وضع لتحديد مستوى وضيع لها، وأن مآلها ومآل أبنائها لا يبشّر بخير. هذا الشعور سواء كان صحيحاً أو متوهَّماً فإنه يعتبر من أخطر عوامل عدم الاستقرار، وهو ما ينبغي الالتفات إليه بحرينياً.
الإنسان بطبعه يتفاءل عندما تلوح أمامه فرص في الآفاق، ولإن هذه الفرص تحتاج إلى جهود متواصلة، فإن ذلك يتحول إلى طاقة تبدع وتتحرك نحو هدفها باستمرار. ولكن لو قيل لمجموعة من البشر أن لا فرصة أمامها في المستقبل، فإن هذه المجموعة تتوحد في «يأسها من المستقبل». ولكن لأن الإنسان يرفض اليأس، فإن تلك الوحدة تتحول إلى تعاضد وتناصر ومن ثم العمل على مقاومة المعوقات التي تمنع انفتاح المستقبل أمامها. باختصار، فإن الوحدة الناتجة عن خيبة أمل هذه المجموعة البشرية بالمستقبل يدفعها لأن تعيد تنظيم نفسها لتتحرك بما تعتقد أنه سيغير ذلك الإحباط ويحوله إلى أمل مشرق لها ولأبنائها.
وحالياً، فإننا نمرّ بمرحلة تشهد انقساماً مجتمعياً، وخوفاً متبادلاً، واتهامات واستعدادات صُبّت في اتجاه تمترس طائفي، بما يشبه المرض المتلازم للجسم… فكما أن هناك، مثلاً «متلازمة داون»، فإن مجتمعنا تكبله «متلازمة التخندق الطائفي»، وكل إجراء تتخذه الحكومة يتم تفسيره على هذا الأساس، وبعض الجهات النافذة التي شجعت على الانقسام وأججته أصبحت حالياً أسيرة له، فهي ترى أنها لا تستطيع الخروج من المأزق، لأن كل قرار تتخذه له ردة فعل معاكسة ضمن دورة سياسية غير حميدة.
فمن جانب، ترى أن إحدى مظاهر «متلازمة التخندق الطائفي» هي أن الفئة التي تعتقد أنها تستفيد من الوضع القائم تشعر أن لها «منّة» على السلطة، وأن أي توجه لتصحيح الوضع الحالي يتبعه تذكير بـ «المنّة»، وكيف أنه «وبسببها فقط تم إنقاذ السلطة». من جانب آخر، فإن الفئة الأخرى التي ترى أن المستقبل «حُجِب عنها»، وأنها مهما فعلت ومهما أثبتت حسن نواياها، فإن الغضب الذي انصب عليها سيتواصل عليها وعلى أبنائها في المستقبل، وبالتالي، فإنها تيأس من التعامل بصورة إيجابية مع الواقع السياسي الذي تعتبره مفروضاً عليها وظالماً لها.
ومن دون شك، فإن السوق تصبح رائجة في هذا الجانب أو ذاك، بحسب ما يسود من شعور هنا أو هناك. فبالنسبة للفئة التي تشعر أن أي تصحيح للواقع الحالي يمثل خطراً عليها، فستجد من يتفنن في التذكير بـ «ملاحم» تثبت «ولاءه الفريد من نوعه». ومن جانب آخر، ستجد من يسرد البطولات في الصبر تحت أقسى الظروف، وإثبات أنه من المستحيل القضاء على الفئة التي ينتمي إليها.
هذه الدوامة يمكن مشاهدتها بشكل جلي في واقعنا الحالي، وهي بحاجة إلى كسر، لأنها تستبطن كل سوء لمستقبل بلادنا ولمستقبل مكونات المجتمع بمختلف أصنافهم… ونحن إذ نؤكد مرة أخرة الحاجة الماسة للحكماء لإخراج البحرين من أزمتها، فإن «متلازمة التخندق الطائفي» تتطلب شطب الخطاب السياسي الذي يعتمد على التنافر المحبط والمخيب للآمال، وستبداله بخطاب إنساني يوفر أمناً للوطن ويضمن حقوقاً للمواطن بغض النظر عن انتماءاته وأصوله الإثنية أو الطائفية أو القبلية
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3295 – الخميس 15 سبتمبر 2011م الموافق 17 شوال 1432هـ