جميل المحاري
في الحقيقة لا أعرف حتى الآن الآلية التي تحكم مبدأ التوافق في الحوار والوطني، وما الذي يمكن أن تعنيه هذه الكلمة الفضفاضة جداً، فحتى الآن لم يحصل أي توافق بين الأطراف، وحتى إن حدث في مرات قليلة جداً، لا تتعدى المرتين، فإنه غالباً لا تكون هذه التوافقات متفقاً عليها، فمثلاً في جلسة 27 فبراير الماضي حين أعلن عن توافق المشاركين على 6 نقاط إجرائية لتنظيم جلسات الحوار المقبلة، أكدت الجمعيات المعارضة أن بند تمثيل الحكم لا يزال مستمراً ولم يتم التوافق عليه. وفي جلسة 20 مارس توافق المجتمعون على تأجيل مناقشة تمثيل الحكم، وفي الجلسة الأخيرة تم التوافق على تأجيل جلسات الحوار لما بعد شهر رمضان المبارك. هذا ما تم التوافق عليه حتى الآن في حين أن جميع الجلسات التي بلغت الآن 22 جلسة، لم يتم التوافق على أي من البنود المطروحة على النقاش.
حتى الآن لم يتم التوافق على تمثيل الحكم، ولا على الاستفتاء على مخرجات الحوار، ولا على التمثيل المتكافئ للمتحاورين، ويبدو أن الحوار سيصل في نهاية المطاف إلى نقطة عدم التوافق على التوافق نفسه!
كان من الممكن أن يصل المتحاورون إلى حلول مشتركة ووسطية لو كان الأمر يقتصر على النظر لمصلحة الوطن والمواطنين، وليس الرفض التام لكل ما يطرح من الجانب الآخر. وكان ممكناً الوصول إلى حلول توافقية لو كان التفاوض يجري بين من يمتلك القرار ومن يطالب بالإصلاحات، أما وأن أدخلت أطراف في الحوار، لا تملك حتى قرارها وليس لديها أي مرئيات للخروج من الأزمة وكل ما يمكن أن تقدمه هو الوقوف بجانب السلطة لإفشال أي طرح من جانب الجمعيات المعارضة، فلا أمل أن يخرج هذا الحوار بحل، حتى وإن تمسكت جميع الأطراف بالمشاركة في الجلسات خوفاً من اتهامها في حال انسحابها بالتسبب في فشل الحوار.
أصبح من الواضح تماماً أن الإعلان عن موت الحوار ليس إلا مسألة وقت فقط، وأن قرارات الانسحاب قد اتخذت منذ زمن ليس بالقصير، وأن الجميع تأكّد من فشل الحوار، ولم يبقى غير الاعتراف بذلك علناً.