عبدالنبي العكري
كنت في زيارة لطبيب أوروبي في أحد المستشفيات الخاصة، ولتقريب الألفة فيما بيننا بادرته بالدردشة متسائلاً: «ماذا يعجبك وماذا لا يعجبك في البحرين»؟ حكّ رأسه قليلاً، وقال بعد تردد وتفكير: «أنا آتٍ من بلدٍ في شمال أوروبا، بلد غني وجميل الطبيعة، وشعب خلوق في البحرين، صار لي سنوات، ورغم الطقس القاسي أحببت البلد. وأكثر ما يعجبني في البحرين ألفة أهلها، فهم يثقون بك بسرعة، ويسلمونك أسرارهم ويبادرونك بالتحية، ويتعاملون معك كأهلهم. يحزنون لحزنك ويفرحون لفرحك. إذا تغيبت عنهم يسألون عنك، وإذا حضرت يستفسرون بلهفة عمّا جرى لك».
واستطرد الطبيب الأوروبي في امتداح أهل البحرين وطيبتهم التي وصفها خبير سابق بالسذاجة. ثم سألته: وماذا لا يعجبك في البحرين؟ تنهّد بحرقة وقال: «كأنك في سجن كبير. البلد أصلاً صغير، فما ان تسير بسيارتك قليلاً إلا واصطدمت بالنهاية. كأن ذلك لا يكفى، السواحل خاصة، ولم يعد بإمكانك التمشي على ساحل البحر وشم الهواء المملح باليود والمنعش. الأسلاك الشائكة تحيط بالأراضي الفارغة وجنبات الطرق. وبالطبع معلم البحرين التاريخي دوار اللؤلؤة الذي أصبح موقعه يثير الكآبة.
المكعبات الاسمنتية تغلق الطرق والمنافذ في القرى. نقاط التفتيش تقطع عليك الطريق فتقف في طابور ممل». وأضاف: «صحيح أنني كأوروبي أشقر، لا أتعرض للمضايقة، ولكن يتم أمامي تكراراً إهانة السائرين على الطريق، وتنحني رؤوسهم بإذلال، وهذا ما يدفع الدماء بقوة إلى دماغي. لا أسوأ من إهانة إنسان حر. في بلدنا لا يتعدى سياج المجمعات متراً، وفي بلادكم جميع المجمعات بل والبيوت محاطةٌ بجدرانٍ رفيعة، بل وأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة».
«نسيت الكاميرات التي تراقبك في الساحات والشوارع على مدى الساعة، الأخ الأكبر يراقبك. نسيت أيضاً المناطق المحظورة والتحذيرات المتكررة، منطقة محظور دخولها، منطقة محظور تصويرها» أضاف.
وقال متهكماً: «ماذا لديكم؟ قواعد أسلحة نووية»؟ واستطرد في حديثه والحزن يتسلل إلى سويداء القلب. ماذا جرى لك يا وطني؟ لماذا تعذب يا شعبي؟ ألأنك استقبلت كل من طرق بابك واحتضنته؟ آهٍ يا وطني! فمتى تعود للبحرين إشراقتها… درة الخليج.