د. مثنى عبدالله
باحث سياسي عراقي
ثلاثة أرادات تسعى للاستثمار في مؤتمر بغداد القادم لقمة السلطات العربية. الارادات هي أمريكية وأيرانية وعراقية. بعد التاسع من نيسان العام 2003 وفي لحظة تحقق الاحتلال على أرض الواقع العراقي، وضعت الادارة الامريكية الفيتو على أي شكل من أشكال التدخل العربي في هذا البلد. كانت حساباتها الاستراتيجية هي جعله تجربة تكون معولا بيدها لإسقاطهم واحدا بعد الآخر، حتى من كان مصنّفا في خانة الحليف لهم، وقد التزم العرب التزاما حرفيا بهذا التوجه بالرغم من خطورته على مستقبل العراق والامة.
في بدايات العام 2010 بدأت الادارة الامريكية بقيادة أوباما بتشجيع العرب على دخول الساحة العراقية، بعد أن بات الانسحاب العسكري الامريكي ضرورة وحقيقة لابد منها، كي يتخلصوا من الارتدادات السياسية والاقتصادية والاخلاقية التي خلقتها المقاومة العراقية الباسلة في ساحتهم الداخلية. كانت رسالتهم واضحة الى دول الخليج والاردن ومصر والجامعة العربية، بالانفتاح على السلطات العراقية وتفعيل العمل الاقتصادي والدبلوماسي معها، بالتزامن مع السعي لاستقطاب القوى والشخصيات التي تقف بالضد من المشروع الايراني في العراق، ومحاولة دعمها ماديا ومعنويا لخلق حالة من التوازن بين القوى المحلية المتحاصصة في العملية السياسية، وليس القوى السياسية الموجودة خارج السلطة، لأن الامريكان كانوا حريصين تماما على أستمرار هذه العملية بالقوى المشاركة فيها، لأن الهندسة الجينية لهؤلاء كانت صناعة أمريكية بحتة. كما أوعزت للعرب بضرورة التحرك الاستخباراتي والقبلي على قوى المقاومة ومحاولة دفعها للانخراط في العمل السياسي، لتجنيب العراق ألاهتزاز السياسي والأمني بعد الانسحاب مما قد يضعهم في دائرة اللوم من قبل الاخرين. اليوم تعتقد الادارة الامريكية بأن أنعقاد مؤتمر القمة في بغداد، يشكل فرصة أستثمارية كبرى لها لتفكيك أولى المحطات في خط السير الواصل من طهران الى ضاحية بيروت الجنوبية، وأن الخطوة الاولى في هذه الاتجاه هو دفع المالكي الذي كان مرشحها التوافقي مع أيران، للخروج على مشروع الولي الفقيه القاضي بتجسير الساحتين الايرانية والسورية اللبنانية بالعراق، من خلال الباسه لباس الشرعية العربية التي سيضفيها عليه المؤتمر، والتي سعى جاهدا للحصول عليها خاصة من دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية، مقابل موافقته التامة على القرارت التي سيتم طرحها من قبل دول الخليج بما يخص القضية السورية، مما سيجعله في نظر النظامين السوري والايراني أحد أدوات المشروع المضاد لمحورهم. السؤال المهم الآن هو هل سيلتزم المالكي بما ستقرره القمة العربية؟ وهل سيكون فعلا أحد أضلاع المشروع العربي- الغربي لاسقاط الحكم في سورية؟ لا نظن أن ذلك سيحصل لأن السلوك السياسي للمالكي يظهر بجلاء أنه ينقلب على كل ما سبق أن وافق عليه، ولديه الاستعداد التام لأن يلحس توقيعه على كل الاتفاقات التي يكون طرفا فيها، والشواهد على ذلك كثيرة كان أخرها التنصل من أتفاق أربيل الذي أعطاه المنصب الاول، مقابل مناصب للآخرين. أما الولاء السياسي لديه فهو يرتبط تماما بالولاء الطائفي، لأنه يؤمن تماما بأنه (شيعي أولا) قبل أن يكون عربيا، وبذلك ستكون الدائرة السياسية الطائفية أكثر جذبا له للتحرك فيها من الدوائر السياسية الوطنية والقومية. الامريكان غادروا اللحظة التي أعطوا فيها موافقتهم على المالكي كي يصبح رئيسا للوزراء بالتوافق مع أيران. كانت لحظة فرضها موضوع أتمام الانسحاب الهادئ من العراق. اليوم يريدون المالكي لهم وحدهم دون شريك ايراني، كي ينتهوا من قص الاجنحة المحسوبة على أيران في المنطقة، فإن فضل الحضن الايراني فلن يكون له مكان سياسي في قادم الايام، مهما أمتلك من أدوات السلطة.
أما أيران التي ستكون حاضرة قولا وفعلا بالمؤتمر من خلال تحكمها بجزء كبير من القرار السياسي للدولة المضيفة التي هي العراق، فان أستثمارهم السياسي للمؤتمر سينطلق من قاعدة أزدواجية الدفاع والهجوم التي تنتهجها السياسة الايرانية حاليا. فهي ستحاول دفاعيا أرسال رسائل طمأنة من خلال وكلائها العراقيين الى كل الدول المشاركة وخاصة الخليجية منها، تقوم على أساس أستعداد طهران لفتح صفحة علاقات جديدة مع دول المنطقة، وأن مشروعها النووي ليس موجها ضد أحد منهم، وأن علاقاتها الاستراتيجية مع السلطات السورية ليست تهمة عليها وهي ليست طرفا مع أحد في العنف الذي يجري. لكنها في المقابل ستكون هجومية ضد أية محاولة لحشد العراق في أي جهد قد يجري لتطوير القرارات التي صدرت من الجامعة العربية فيما يخص الشأن السوري، كما أنها ستكون بالمرصاد لأي أتجاه يدعو الى مناقشة الوضع السياسي في العراق، سواء بلقاءات عربية – عراقية ثنائية أو جماعية، لأنها تعرف جيدا بأن نمو نفوذها في المنطقة كان بسبب تدمير هذا البلد، وهي غير مستعدة لازاحة الجبال الايرانية التي تحركت في الفضاء العربي وثبتتها في العراق، لأن فيها مصالحها الاستراتيجية والانية أيضا. أن السياسة والرؤية الايرانية لجميع شؤون المنطقة ستكون حاضرة في كل المناقشات واللقاءات والمؤتمرات العربية، على مدى عام كامل من تولي العراق قيادة العمل العربي بأعتباره رئيسا للقمة، من خلال تأثيرها الحاسم في عملية صنع القرار في العراق.
عراقيا سيكون الاستثمار الاكبر في المؤتمر هو أكتساب المتسلطين على رقاب شعبنا شرعية عربية، والاعتراف الكامل بالوضع السياسي الطائفي التحاصصي القائم، كما أنه سيتيح للسطة العراقية حرية التحرك في دهاليز السياسة العربية، لتثبيت وجودها من خلال صفقات سياسية وأقتصادية، لتضيق الخناق على كل الاصوات العراقية الرافضة للوضع القائم، في الوقت الذي ستندفع فيه الى مزيد من التمسك بالنهج الطائفي، كي لاتكون مناسبة القمة فرصة للتمدد العربي في العراق. أضافة الى ذلك فإن الحكومة العراقية ستسعى جاهدة الى جعل القمة مناسبة لحرف النظر عما يجري في العراق من صراعات وتهميش وأعتقالات عشوائية، وأرسال رسالة الى الآخرين بأن الوضع الداخلي مستقر بدليل أنعقاد المؤتمر وأنها قد حازت على الاجماع الوطني المطلوب.
أن الدعوات المتواصلة التي سمعناها منذ بدايات الاحتلال من قادة الاحزاب والسياسيين ورجال دين السلطة، عن أن العراق لن يعود الى سابق عهده سدا منيعا بوجه أعداء الامة ولن يقاتل بالنيابة عنها، سوف لن تتغير بقدوم العرب الى قمة بغداد. وأذا كانت تلك الاصوات قد خبت اليوم لأغراض تقية مصلحية هدفها أستقدام الرسمية العربية لكسب الشرعية، فهي مازالت متداولة في الحياة الحزبية الداخلية وأروقة السياسة في العراق، لأنها منهج وسلوك كل الاطراف المشاركة في العملية السياسية وقبل ذلك هي فكر يعتمد الطائفية دليلا في تفسير الواقع وعلاجا لكل مشاكله، وقد تبين ذلك بصورة جلية في الموقف من أحداث البحرين وسورية، الذي بانت فيه السياسة العراقية أنها مجرد صدى لمواقف الحكومة الايرانية.
أن القمم العربية أثبتت عدم فاعليتها وجديتها على مدى عقود طويلة، على الرغم من أنها كانت تعقد في ظل ظروف طبيعية، ومع ذلك فقد سكنت قراراتها المصيرية منها والعادية أدراج مكاتب الجامعة العربية دون تنفيذ حتى اليوم، لأنها مجرد لقاءات بروتوكولية بين عقول ورؤى وأجندات مختلفة ليس بينها من يمثل مصالح الامة ويملك حرية أتخاذ القرار، ولن يكون مؤتمر بغداد أحسن حظا من سابقاته أن لم يصبح الاسوأ في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة عامة والامة العربية خصوصا، التي تشهد صراعا طائفيا في الغرف الداخلية تقوده أيران وتباركه الولايات المتحدة وأسرائيل، وأن الحضور العربي حتى لو كان متدنيا في مستوى التمثيل، فانه يعني أعترافا بالسلطة الطائفية القائمة في بغداد التي هي أحدى (الايرانات) التي تريد حكومة طهران تثبيتها في خريطة المنطقة.
القدس العربي