ايران، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية حسن قشقاوي، استنكرت امس أي مشاركة للدول العربية في المحادثات المتعلقة بالأزمة النووية. جاء هذا، تعبيرا لرفض ما تم إعلانه مؤخرا من اعتزام الدول الست الكبرى دعوة الدول العربية الى حضور اجتماعاتها حول الأزمة النووية الايرانية، واطلاعها على تطورات المحادثات. هذا الرفض الايراني غريب، وغير مفهوم لأول وهلة، ولا بد ان يثير تساؤلات كثيرة. بداية، هذه الأزمة برمتها المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، ليست أزمة ثنائية فقط بين ايران وامريكا والدول الغربية. هذه أزمة اقليمية كبرى. ايا كانت احتمالات تطور الأزمة، ان سلما وان مواجهة، فان الدول العربية طرف اساسي فيها، وسوف تدفع الثمن في كل الأحوال، ان بالسلب او بالايجاب. هذه أزمة تتعلق بامن واستقرار المنطقة كلها وبمستقبلها. فكيف لا يكون للدول العربية دخل بها؟. والغريب ان ايران التي لا ترى ضرورة لأن تكون الدول العربية طرفا في أي محادثات حول الأزمة، هي التي تهدد بين الحين الآخر تارة بأن تغلق مضيق هرمز وتوقف امدادات النفط، وتارة بأن تستهدف مواقع في دول الخليج العربية، ان هي تعرضت لعدوان. فكيف لا تقلق الدول العربية ويحق لها ان تتحسب لتطورات الأزمة وتطالب بان تكون على اطلاع بما يجري؟. وفي نفس الوقت، فإن ايران في عرضها للحوار مع امريكا وباقي الدول الكبرى لتسوية الأزمة سلميا، وفي التصورات التي تقدمها لمثل هذه التسوية، لا تطرح مطالب تتعلق بالعلاقات الثنائية فقط مع هذه الدول، وانما تطرح مطالب تتعلق بكل الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. لقد سبق لي في مقالات مطولة ان تطرقت الى هذه الجوانب تفصيلا، والى التصورات الايرانية المطروحة. يكفي ان نشير هنا الى ان ايران تطالب مثلا بنظام امني جديد في المنطقة يكون لها فيه الدور المحوري المهيمن، وتطرح دورا لها في قضايا مثل الصراع العربي الاسرائيلي او العراق. هذه كلها قضايا عربية تريد ايران ان تجعلها جزءا اساسيا من أي تسوية للأزمة. وليس معقولا ولا مقبولا ان تبقى الدول العربية بعيدة عن أي محادثات حول الأزمة تتناول مثل هذه القضايا العربية والأوضاع الإقليمية. ولهذا السبب، سبق لنا ان طالبنا بأن تصر الدول العربية على ان تكون طرفا اساسيا في أي حديث يدور حول تسوية الأزمة وحول الأوضاع الإقليمية في اطار هذا. ومن المهم في هذا السياق، ان نورد ما قاله الدكتور محمد البرادعي، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، وهو المطلع بالطبع على كل تفاصيل هذا الملف. قال منذ يومين فقط ما نصه: «ما يقلقني هو ان حل المشكلة الايرانية سيكون جزء منه مرتبطا بالأمن الاقليمي ودور ايران في المنطقة. وبالتالي يجب ان تكون الدول العربية جزءا من عملية التفاوض مع ايران لأن أي حل يتعلق بالوضع الاقليمي سيكون على حساب الدول العربية أو يمسها.. لا أفهم كيف يمكن ان تكون الدول العربية غائبة عن مشكلة حيوية بالنسبة اليها«. اذن، على ضوء كل هذا، ماذا يعني هذا الاستنكار الايراني لمشاركة الدول العربية في المحادثات حول الأزمة؟ كيف يمكن لنا ان نفهمه؟. حقيقة الأمر ان هذا الموقف الايراني هو بحد ذاته لا يدعو الى الاطمئنان للنوايا الايرانية. هو يعني ببساطة ان إيران تريد ان تتفاوض هي حول اوضاع المنطقة، وحول قضايا هي قضايا عربية، مع أمريكا والغرب، وما على العرب الا ان ينتظروا النتائج ويقبلوا بها. وهذا الموقف الايراني لا يمكن ان يكون مقبولا.