قاسم حسين
الآن وقد اختتمت جلسات مؤتمر حوار الأديان والحضارات، بعد ثلاثة أيام من المداولات والمناقشات والأطروحات وتبادل النظريات، أما آن للمنامة أن تعود لتحاور نفسها وتنفتح على ذاتها؟
لقد نجحنا في جمع هذا العدد الكبير من مشايخ وقساوسة ورهبان الأديان السماوية والأرضية، من شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، ألم يحن الوقت لنطلق حواراً وطنياً حقيقياً جدياً منتجاً مثمراً، ذا معنى، يعيد الحق إلى نصابه، ويعيد الاعتبار لقيم المواطنة والمساواة والأخوة الإنسانية، بعد ثلاث سنوات من سياسات بثّ الكراهية والتحريض والتخوين والتشكيك في الدين والنسب والأصل والفصل؟
لقد نجحنا في جذب أنظار وسائل الإعلام العالمية، والفضائيات الكبرى، العربية والأجنبية، في تغطية وقائع مؤتمر حوار الأديان والحضارات، ونجحنا في إلقاء الأضواء اللازمة على ضرورة إشاعة روح المحبة والتسامح بين نبي البشر. وهو ما يشجعنا على الدعوة للاستفادة من كل تلك الدروس والمبادئ الجميلة، والانتقال إلى مرحلة التطبيق والتنفيذ.
لقد حان الوقت للدخول في حوار بحريني حقيقي، منتج، له معنى، وحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «له مغزى»، لنثبت أننا استفدنا فعلاً من كل ما سمعناه من محاضرات ومداخلات، ومناقشات ومداولات.
لقد كنا بحاجةٍ فعلاً لمثل هذا المؤتمر الكبير، ليمهّد أمامنا الطريق اللاحب لإطلاق الحوار الداخلي الموعود، والمعطَّل منذ ثلاث سنوات عجاف، خصوصاً أن أمامنا الكثير الكثير من الملفات المعلقة والمشكلات العالقة. وكلها يحتاج إلى جديةٍ وصدق، والابتعاد عن المماطلة، وسياسة اللف والدوران، وإضاعة الوقت.
وإذا كان من الصعب المستصعب في هذه اللحظة التاريخية، إطلاق مثل هذا الحوار الوطني الصادق والحقيقي والذي له معنى، فلنبدأ بإجراءات أصغر وخطوات أقصر. وليكن أولها، على سبيل المثال، توفير حمايةٍ لأقدم مسجدٍ تاريخي في أرض أوال، يضم رفات الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي، والذي يعود إلى سبعينيات القرن الهجري الأول. هذا المسجد التاريخي العريق تعرّض –كما يعرف الجميع- إلى عمليات تخريبٍ متكرّرة على أيدي أشخاصٍ يفتقرون إلى الذائقة الإسلامية والفكر التسامحي الرشيد. ورغم وعود وزارة العدل بإعادة ترميمه وصيانته قبل عدة سنوات، إلا أنها لم تنفّذ وعدها، واستضافة مؤتمر الأديان فرصةٌ طيّبةٌ لإثبات التسامح والتعايش وسياسة العيش المشترك.
خطوةٌ أخرى تصب في ذات الاتجاه، الإقدام دون تأخيرٍ، على إعادة بناء بقية المساجد الإسلامية التي هدمتها وزارة البلديات بمباركة وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، في مارس 2011، حين تصاعدت حدّة الخلافات السياسية. وهي قضيةٌ أثارت الكثير من الدهشة والاستغراب على المستوى العالمي، باعتبارها حدثاً غريباً على مستوى العالم الإسلامي أجمع. وهو ما دفع رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك حسين أوباما، (وهو له عرقٌ إسلاميٌ وإن كان رقيقاً) إلى استنكارها على منبر الأمم المتحدة، في العام 2012. وعقد مثل هذا المؤتمر العالمي في المنامة حريٌّ بأن يدفع إلى لململة هذا الملف وحلّه على وجه السرعة، دون مماطلةٍ أو تسويف. فلم تعد المبررات الواهية التي سِيقت بشأن هدمها مقنعةً لأحد، مسلماً كان أو مسيحياً، بوذياً أو كونفوشيوسياً.
لقد اختتم مؤتمر الحضارات وتعايش الأديان… وآن الأوان لانطلاق مؤتمر تعالج فيه البحرين قضاياها، وتبحث عن حلولٍ لمشاكلها، لتخرج من أزمتها، لتثبت بصدقٍ للجميع، أنها أرض التسامح والأخوة والتعايش والسلام… والسلام عليكم ورحمة الله.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4261 – الخميس 08 مايو 2014م الموافق 09 رجب 1435هـ