الشراكة العربية مع مردوخ.. الأبعاد والمخاطر
* هل سيكون "حصان طروادة" لتمرير التطبيع ورسائل الإعلام الصهيوني؟
* كل حجج وتبريرات الأمير الوليد مردود عليها
* لمصلحة من تبييض وجه صهيوني قبيح ومكافأته على جرائمه الاعلامية بحقنا؟
* ولمصلحة من تمكين "فوكس" الصهيونية من محاربة "الجزيرة" و"العربية"؟
* من حق المثقفين المصريين ان يقلقوا على مصير 1500 فيلم مصري.
في المقال السابق، تحدثت بشيء من التفصيل عن روبرت مردوخ الامبراطور الاعلامي، ومواقفه الصهيونية وحلفه مع العدو الاسرائيلي، وعن تسخيره لامبراطوريته الاعلامية هذه للدفاع عن العدو الاسرائيلي وجرائمه، ولشن حرب متصلة لا تتوقف على الاسلام والعرب والمسلمين.
اردت بهذا الحديث ان يكون مقدمة للقضية الجوهرية التي نحن بصددها.. قضية الشراكة العربية الجديدة مع مردوخ ومؤسساته الاعلامية، والتي تمثلت في الشراكة بين مؤسسة "روتانا" التي يمتلكها الامير الوليد بن طلال ومؤسسة مردوخ "نيوز كورب"، وفي الشراكة الاستراتيجية بين مؤسسات مردوخ ومؤسسات اعلامية في ابوظبي.
ما هي ابعاد هذه الشراكة بالضبط؟
ما هي بالتحديد تحفظاتنا عليها، ومخاوفنا من المخاطر التي يمكن ان تحملها؟
ما هي التبريرات التي تساق دفاعا عن هذه الشراكة، وهل يمكن ان تكون مقبولة؟
هذه هي التساؤلات التي سنحاول الاجابة عنها.
***
الشراكة
معروف ان شركة روتانا التي يملكها الأمير الوليد بن طلال وقعت اتفاق شراكة مع مؤسسة "نيوز كورب" التي يملكها روبرت مردوخ. وبموجب الاتفاق اشترت "نيوز كورب" نسبة 9.09% من اسهم روتانا بقيمة 70 مليون دولار. هذا مع احتمال ان تصل هذه النسبة الى 20% في الاشهر القادمة.
وكما نعلم ن شركة روتانا شركة كبيرة لديها اكبر مخزون من التسجيلات العربية، وتمتلك نحو 40% من الافلام السينمائية العربية، وتنتج هي عددا كبيرا من الافلام. والشركة لديها 11 قناة تليفزيونية متنوعة. كما ان الشركة تحتكر انتاج البومات عدد كبيرا جدا من المطربين والمطربات العرب.
وبالطبع، ستكون مؤسسة مردوخ شريكا في كل هذه الانشطة.
اما عن الشراكة مع المؤسسات الاعلامية في ابوظبي، فكما ذكرت كان مردوخ هو المتحدث الرئيس في مؤتمر ابوظبي للإعلام الذي عقد مؤخرا، والقى الخطاب الافتتاحي، وكان خطابا مطولا يقع نصه في 15 صفحة، واعلن في الخطاب عن ابعاد هذه الشراكة.
وقد ركز مردوخ في الجانب الأكبر من خطابه على نقطتين، هما، دعوة الامارات والدول العربية الى رفع أي اشكال الرقابة الحكومية على مؤسسات وانشطة الاعلام، والثانية الدعوة الى اطلاق المجال امام المنافسة الاجنبية في مجال الاعلام. وهذا التركيز مقصود كما سنعرف بعد قليل.
اما عن الشراكة مع ابوظبي، فجوهرها اتفاقية تعاون استراتيجي كما اطلق عليها بين قنوات فوكس وبين مؤسسة "تو فور فايف فور" في ابوظبي، وهي مؤسسة اعلامية حكومية تعمل في مجالات، صناعات التليفزيون، والراديو، والسينما، والنشر والاعلام الرقمي، والهاتف المتحرك، والموسيقى، والألعاب الاليكترونية، والرسوم المتحركة.
وعلى الموقع الإلكتروني لمؤسسة "تو فور فايف فور"، تفاصيل ابعاد هذه الشراكة الاستراتيجية مع قنوات فوكس، وهي على النحو التالي:
1- ستقوم قنوات فوكس العالمية بنقل المقر الرئيس لشركة "دوت فوكس" الى ابوظبي، وذلك من اجل اتمام عملياتها التجارية في المنطقة والعالم. وستقوم الشركة من مقرها في ابوظبي بتوسعة تغطيتها وحضورها في المنطقة.
2- ستعمل قنوات فوكس العالمية على انتاج وتطوير الافلام الوثائقية، والتي ستتوفر لدور السينما والمحطات التليفزيونية الفضائية. وستقوم بانشاء المحتويات الخاصة بالشرق الاوسط.
3- التعاون التام بين "تو فور فايف فور" وقنوات "فوكس العالمية" وذلك لنقل معظم اعمال المجموعة والتي تتمركز في الشرق الاوسط من هونج كونج وغيرها الى ابوظبي. أي ان ابوظبي ستكون هي المقر الاقليمي لمؤسسات مردوخ وانشطتها.
كما نرى، فانه سواء عبر الشراكة مع روتانا او مع مؤسسات الاعلام في ابوظبي، فان مردوخ يقتحم ساحة الاعلام العربي من اوسع الابواب، وفي كل المجالات الاعلامية تقريبا.
وعلى الرغم من انه لم يتم الحديث من أي جانب بأي قدر من التفصيل عن مضمون وتوجه وطبيعة الانشطة الاعلامية التي سوف تمارسها مؤسسات مردوخ عبر هذه الشراكة، وعن أي نوع من الرسائل الاعلامية سوف توجهها ومضمون خطابها الاعلامي، فان ثلاثة جوانب مهمة تستدعى الاشارة اليها:
1- ما أكده مردوخ نفسه في مؤتمر الاعلام في ابوظبي من ان الهدف الاساسي من هذه الشراكة ليس ماديا، وانما انتاج "محتوى اعلامي عربي". وبحسب مجالات الشراكة كما راينا، فان هذا "المحتوى" سيشمل بالضرورة مجالات كثيرة، كانتاج الافلام والغناء والبرامج والمواد التليفزيونية.. الخ.
2- ما اعلنه جيمس مردوخ، نجل مردوخ والمدير التنفيذي لمؤسساته الاعلامية، من ان احد الأهداف الكبرى لأنشطة هذه المؤسسات الاعلامية التابعة لمردوخ في المنطقة العربية، استهداف قطاع الشباب بالذات، والذين يمثلون نسبة كبيرا جدا من السكان.
3- الانباء التي نشرت، والتي تشير الى الاتجاه في اطار هذه الشراكة الى انشاء قناة "فوكس" اخبارية عربية، بهدف اساسي هو محاربة قناتي "الجزيرة" و"العربية".
اذا كانت هذه هي بعض ابعاد الشراكة الاعلامية العربية مع مردوخ، يبقى ان السؤال الجوهري هو: وما هي المشكلة في كل هذا؟.. ما الذي يمكن ان يدعو الى القلق او الانزعاج عربيا من اقتحام مردوخ للساحة العربية على هذا النحو؟.
***
تبييض وجه صهيوني
في تقديرنا، هناك بالفعل اسباب كثيرة جدا تدعو الى القلق والإنزعاج عربيا من هذه الشراكة العربية من مردوخ، ومن تمكينه من اقتحام الساحة العربية بمؤسساته الاعلامية الاخطبوطية على هذا النحو.
وسنحاول فيما يلي الاشارة الى اهم هذه الدواعي من وجهة نظرنا.
بداية، وقبل أي شيء، الأمر المؤكد ان هذه الشراكة وافساح المجال امام مردوخ في الاجواء الاحتفالية التي شهدناها، ينطوي في جانيب اساسي منه على تبييض لوجه مردوخ الصهيوني القبيح في العالم كله، وامام الشعوب العربية بصفة خاصة، وينطوي على تهوين شديد من شأن الجرائم الاعلامية التي ترتكبها اجهزة اعلامه الاخطبوطية بحق العرب والاسلام والمسلمين.
فهذه الشراكة في جوهرها تعطي الانطباع العام بأن الرجل لم يفعل شيئا سيئا بحق العرب والمسلمين. والاحتفاء به على هذا النحو يعطي الانطباع كما لو كان الرجل مناصر للعرب وقضاياهم، وليس هو الذي يقود حملة الدفاع عن الصهيونية واسرائيل وجرائمها.
هذه في حد ذاتها مفارقة في منتهى الغرابة.
الموقف البديهي الطبيعي هو ان الدول العربية، وكل المؤسسات العربية سواء كانت حكومية او خاصة، يجب ان تتخذ موقفا حازما ضد اجهزة الاعلام التي تعادينا والتي تناصر اعداءنا في الغرب والعالم عامة.
لكن بدلا من هذا، تعتبر هذه الشراكة العربية مع مردوخ، مكافأة له ولأجهزته ومؤسساته الاعلامية التي تقود حملة العداء لنا في العالم كله.
والمفارقة هنا ايضا ان هناك في الدول الغربية بالفعل اجهزة ومؤسسات اعلامية تناصرنا وتدافع عن قضايانا العادلة. وهناك اعلاميون ومثقفون واعلاميون في الغرب يدافعون عنا ويقفون في مواجهة العدو الصهوني وارهابه الاعلامية، ويدفعون ثمن ذلك. وهؤلاء نتجاهلهم تماما في العالم العربي ولا نعطيهم أي تقدير او اعتبار.
ولنا ان نتصور أي رسالة سلبية تحملها هذه المفارقة، واي احباط يمكن ان يشعر به من يناصروننا فعلا في الغرب، وهم يرون الاحتفاء العربي بهذا الصهيوني واجهزتة اعلامه.
***
جوانب خطيرة
وغير هذا الجانب العام، هناك اسباب كثيرة مباشرة تدعو للإنزعاج والقلق، لعل اهمها ما يلي:
اولا: كان كثير من السينمائيين والمثقفين المصريين هم اول من بادر بالإعراب عن القلق من الشراكة بالذات بين الامير الوليد بن طلال ومردوخ. كانت القضية الجوهرية بالنسبة اليهم بالذات هي القلق على مصير اكثر من 1500 فيلم سنمائي مصري تمتلكها شركة روتانا، تمثل نسبة كبيرة من تراث السينما المصرية.
بعض المثقفين المصريين تساءلوا هنا: هل يمكن ان ينتهي الامر بهذا الافلام، وعن طريق مردوخ، الى ان تصبح بيد العدو الاسرائيلي؟
ربما يكون في هذا بعض المبالغة، لكن هناك اعتبارات اخرى تدعو الى القلق فعلا على مصير هذه الافلام.
اليس من الوارد في ظل هذه الشراكة ان يتم التدخل في هذه الافلام بالحجب او الحذف وتقرير ما يعرض وما لا يعرض منها؟
نعنى، اليس من الوارد مثلا حجب عرض أي افلام تتلعق بالمقاومة او تنتقد العدو الاسرائيلي، او تمجد الرموز الوطنية العربية؟.. اليس من الوارد مثلا حذف المقاطع من الافلام التي تتعلق بمثل هذه الجوانب؟.. وهكذا.
ثانيا: باعتباره شريكا مع روتانا ومع مؤسسات ابوظبي الاعلامية، سيكون لمردوخ ومؤسساته بطبيعة الحال راي في السياسة الاعلامية المتبعة، و في ما يعرض وما لا يعرض، وما ينتج وما لا ينتج من مواد اعلامية.. وهكذا. وينطبق هذا على كل مجالات الشراكة، من السينما، الى برامج التليفزيون، الى الاغاني، الى مواقع الانترنت.. الخ.
فاي راي بهذا الخصوص يمكن لنا ان نتوقعه من هذا الصهيوني ومن مؤسساته الاعلامية بمواقفها وسياساتها التي تحدثنا عنها في المقال السابق؟.. أي توجهات اعلامية يمكن ان نتوقع ان يطالب او يوصي بها؟
في كل الاحوال، لا يمكن لنا ان نتوقع ان ما سيراه او ما سيطالب به بهذا الشأن، سيكون في المصلحة العربية كما نفهمها عربيا.
ثالثا: اخذا في الاعتبار ما ذكره مردوخ نفسه من ان الهدف الاساسي من هذه الشراكة هي انتاج "محتوى عربي". وبالطبع، هذا المحتوى الذي يتحدث عنه يشمل مجالات كثيرة، منها الافلام الوثائقية، والبرامج التليفزيونية، وحتى الاغاني.. وهكذا.
ولنا هنا ان نتساءل ايضا: أي محتوى عربي بالضبط يمكن ان يتحمس مردوخ لانتاجه؟
نعنى، ما هو المضمون المتوقع لهذا المحتوى الذي يريد انتاجه؟.. عن أي توجهات سوف يعبر؟.. عن أي قيم ومواقف اجتماعية وسياسية سوف يدافع؟
اليس من الوارد مثلا ان يدور هذا "المحتوى العربي" الذي يتحدث عنه، حول تشجيع التطبيع مع العدو الاسرائيلي، او تسفيه المقاومة العربية، او تشويه التاريخ العربي، او تكريس قيم الخضوع والاستسلام؟
اليس هذا تخوفا مشروعا؟
رابعا: ويرتبط اشد الارتباط بما ذكرناه حالا، ذلك الذي افصح عنه نجل مردوخ ومدير مؤسساته، من انهم يستهدفون قطاع الشباب العربي خصوصا ببرامجهم ومشاريعهم.
هذا من اكبر الجوانب التي تدعو للقلق.
من حقنا ان نعرف بداية، ما هو المقصود بهذا الكلام بالضبط؟.. ماذا يخططون للشباب العربي؟.. وما الذي يريدون تحقيقه بالضبط؟
هل يمكن ان يكون هدفهم هو النهوض بالشباب العربي او الارتقاء بوعيه، او تربيته تربية وطنية عربية مثلا؟.. بالطبع لا.
اذن، مجرد ان يكونه قطاع الشباب العربي هو هدفهم الاول، هذا في حد ذاته يدعو للريبة والشك.
خامسا: ومما يستدعى التوقف عنده مطولا، هو ما اشرت اليه من تخطبط، او تفكير، في اطار الشراكة العربية مع مردوخ، في انشاء قناة ناطقة بالعربية تابعة لقناة "فوكس نيوز" لمحاربة قناتي "الجزيرة" و"العربية".
مهما كانت انتقاداتنا لكثير او قليل من اوجه الاداء الاعلامي للجزيرة والعربية، فانهما قناتان عربيتان تدافعان عن القضايا والمصالح العربية، سواء اخطأتا او اصابتا.
وقناة "فوكس نيوز" التابعة لمردوخ هي كما هو معروف قناة صهيونية بالمعنى الحرفي، وقناة تقود الحرب الاعلامية على الاسلام والعرب والمسلمين، وتروج لأبشع صور العنصرية، ولأبشع صور العدوان على العالمين العربي والاسلامي.
فما هي الفكرة في انشاء قناة "فوكس" العربية، والتي ستحمل حتما نفس هذه التوجهات للقناة الانجليزية الأم؟.. ما هي المصلحة في افساح المجال امام هؤلاء الصهاينة كي يشنوا، وبأموال عربية، ومن الارض العربية، حربا على قناتين وطنيتنين عربيتنين مثل الجزيرة والعربية.
واي رسالة اعلامية وسياسية يمكن توقع ان تحملها هذه القناة التي يريدون انشاءها؟
كمجرد مؤشر لهذا، لنا ان نتأمل ما قاله مردوخ عن قناة الجزيرة، في حديث نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية في مايو 2008.
قال: "ان بعض القنوات الفضائية مثل الجزيرة تضفي احتراما على العنف والتطرف".
طبعا، مفهوم ان العنف والتطرف الذي يقصده هو كل صور المقاومة والرفض في العالم العربي، وخصوصا في مواجهة العدو الاسرائيلي.
وعلى ضوء هذا، نفهم لماذا يريد انشاء قناته العربية.
سادسا:
على ضوء كل هذه الملاحظات التي ابديناها، ايضا على ضوء الدعوة التي ركز عليها مردوخ في خطابه في مؤتمر ابوظبي للإعلام من ضرورة رفع أي قيود او رقابة على اجهزة الاعلام في المنطقة وافساح المجال بلا ضابط امام المنافسة الاجنبية.. على ضوء هذا، من حقنا ان نتخوف من المقصود اساسا من وراء هذه الشراكة هو ان تكون بمثابة "حصان طروادة" عبرها يتم تمرير التطبيع مع العدو الاسرائيلي مباشرة وبأشكال كثيرة غير مباشرة.
من حقنا ان نتخوف ان تكون هذه الشراكة "حصان طروادة" لتمرير الرسائل الاعلامية والسياسية للعدو الاسرائيلي، ومحاصرة المواطن العربي، وخصوصا الشباب بها.
***
توضيحات الأمير الوليد
هذا الذي ذكرناه ليس الا بعض الاعتبارات التي تدعونا الى القلق والانزعاج من هذه الشراكة.
لكن ماذا عن وجهة النظر الاخرى المدافعة عن هذه الشراكة؟
بداية، هناك حجة اساسية تساق هنا. وقد ساقها حتى بعض المعلقين الغربيين.
هذه الحجة تتلخص في ان المسألة برمتها فيما يتعلق بهذه الشراكة، هي مسألة استثمارية تتعلق بالربح والخسارة التجارية لا أكثر ولا أقل. ومن ثم، يجب عدم المبالغة وتحميل المسألة ابعادا سياسية اكثر من هذا.
وهذا المنطق في حد ذاته منطق معيب لا يجوز ان يساق هكذا.
فمن وجهة النظر العربية، لا يمكن ان يكون السعي الى تحقيق الربح مبررا كافيا للشراكة مع مؤسسة لها توجهاتها الصهيونية مثل هذه. هل انعدمت فرص الاستثنمار والربح ولم يبق في العالم الا هؤلاء؟
الامر الآخر، انه في مجال الاعلام بالذات، ليس هناك على الاطلاق شيء اسمه استثمار لأغراض مادية بحته لا أكثر ولا أقل. الاعلام يعني حتما سياسة، وتوجهات ومواقف سياسية محددة، ويعني تشكيلا وتوجيها للرأي العام في اتجاه بعينه.
ولقد حرصت على ان اتتبع تصريحات الأمير الوليد بن طلال خصوصا، للوقوف على التوضيحات التي قدمها للشراكة مع مردوخ واسباب دفاعه عنها.
وسأورد فيما يلي كل التوضيحات والتبريرات التي ساقها، وسأعلق عليها باختصار، وهي تتلخص في خمسة جوانب على نحو ما تابعت.
1 – قال الامير الوليد في احد تصريحاته، ان مردوخ ليس يهوديا، وانما هو مسيحي متدين.
وعلى الرغم من ان مردوخ له بالفعل جذور عائلية يهودية، فانه لم يقل احد ابدا في أي وقت ان المشكلة معه ومع مؤسساته الاعلامية سببها انه يهودي او غير يهودي.
المشكلة معه ببساطة كما حاولت ان اشرح في المقال السابق، انه صهيوني ومعاد للعرب والمسلمين وامبراطوريته الاعلامية كلها مجندة للتعبير عن هذا.
2 – وقال الامير الوليد ان مردوخ رجل امين.
وقد يكون امينا بالفعل في تعاملاته المالية. لكن هذا لا يعنينا في شيء.
المشكلة تتلق بأمانته السسياسية والاعلامية. والمسألة برمتها لا تتعلق بخصال شخصية على اية حال.
3 – قال الامير الوليد: "الصفقة مع نيوز كورب نقلة نوعية لا لروتانا وحدها وانما للعالم العربي كله.. دخول نيوز كورب معنا هدفه الاول نقل التقنية والمعرفة والخبرة والباع الطويل في نطاق السينما والانتاج السينمائي ونطاق التليفزيون.. الخ، ولاكتساب خبرة من نيوز كورب في مجالات الانتاج التليفزيوني والتكنولوجيا.. هذه صفقة انتقالية وتحويلية في تاريخ العالم العربي الاعلامي".
وبالطبع، من المهم لأي مؤسسة اعلامية عربية ان تسعى لنقل التكنوولوجيا والخبرات المتقدمة والاستفادة بها.
لكن مرة اخرى، وهل ضاق العالم، ولم يعد يوجد الا هذه المؤسسة الصهيونية التي تمتلك الخبرة الاعلامية والتكنولوجيا؟.. ان العالم به مئات بل الاف المؤسسات الاعلامية المحترمة التي تمتلك الخبرة والمعرفة المتقدمة.
4 – وقال الأمير الوليد: "ان قناة فوكس نيوز، ليست وحدها ضد العالم العربي، بل انها حالة امريكية"
وهذا صحيح تماما. ولكن ماذا يعني بالضبط؟.. هل يعني مثلا انه طالما ان الكثيرين ضدنا، فلم يعد الامر يهم في شيء؟.. او هل يصلح هذا مبررا لمكافأة الذين يقفون ضدنا؟!
5 – وقال الأمير الوليد: سنفعل ما بوسعنا الى تصحيح اللهجة،. واعرب عن امله في ان تؤدي الشراكة مع مردوخ الى تغيير لغة وسائل مردوخ الاعلامية ازاء القضايا العربية.
وهذا امل جيد لا شك. لكن للأسف، لايوجد ما يدعمه.
الشراكة هي بين اطراف عربية تعتبر، رغم امكانياتها المالية، ضعيفة ماليا واعلاميا مقارنة بالامبراطورية الاعلامية الهائلة التي يمتلكها مردوخ وتهيمن على صناعة الاعلام في الغرب. ومن البديهي ان الطرف والأقوى هو الذي يفرض خطابه وسياساته على الطرف الاضعف.
وغير هذا، الامير الوليد نفسه يمتلك حصة، نحو 5% او اكثر في مؤسسة مردوخ "نيوز كورب" ومنذ سنوات.. فلماذا اذن، لم نلمس أي تغير من أي نوع في خطاب اعلامه السياسي ومواقفه من العرب؟
وهكذا كما نرى، فان كل الحجج والتبريرات التي ساقها الامير الوليد مردود عليها، من وجهة نظرنا على الأقل.
***
وهكذا، فان ما اردنا التعبير عنه بإثارتنا لهذه القضية، هو القول بأن لدينا تحفظات شديدة ومخاوف جدية من اخطار تمثلها هذه الشراكة. والجوانب التي عبرنها عنها بهذا الخصوص ليست الوحيدة التي تدعونا الى القلق والانزعاج. هناك جوانب اخرى لا تقل خطورة لم يتسع المجال للتطرق اليها، وقد نعود اليها في حديث آخر.
وان كانت هناك حكمة اخرى من وراء هذه الشراكة خافية علينا، فنحب ان نعرفها.
بقي فقط ان نقول ان قطاع الاعلام هو من اخطر القطاعات على الاطلاق. فهل اصبح امر هذا القطاع في العالم العربي بلا ضابط ولا رابط؟.. هل اصبح بمقدور أي مؤسسة اعلامية عربية خاصة او عامة ان تفعل ما تشاء دون ان يسائلها احد؟