هاني الفردان
يشهد مركز الإصلاح والتأهيل «سجن جو المركزي» حالياً حالة من التعتيم والضبابية بشأن مصير نزلائه، وذلك بعد 50 يوماً من الأحداث التي شهدها السجن في 10 مارس/ آذار 2015، ووصفتها الجهات الرسمية بـ«تمرد» داخلي في السجن.
ما هو واضحٌ أن عقاباً فرض على السجناء هناك، وأنه بعد 50 يوماً هناك أعداد كبيرة من الأهالي لازالت لا تعلم عن مصير أبنائها، في ظل انقطاع أخبارهم.
نائب الأمين العام للتظلمات أسامة العصفور، أكّد نقل نزلاء مركز الإصلاح والتأهيل في جو من زنازينهم، وفقاً للشكاوى التي نقلها أهالي عدد من النزلاء، وحسب رأيه فإن ذلك يعود إلى التلفيات التي لحقت بهذه الزنازين، على إثر الأحداث التي شهدها المركز قبل أسابيع، وذلك إلى حين إعادة تهيئة هذه الزنازين.
50 يوماً مرت على تلك الإحداث فيما لايزال الأهالي يشكون من سوء أوضاع داخل السجن، وفيما لم تكشف الأمانة العامة للتظلمات عن المكان الذي نُقل إليه السجناء في سجن جو، وفي ظل صمت وزارة الداخلية، أصبح مؤكداً بعد تواتر الأخبار من داخل السجن من خلال زيارات بعض المحكوم عليهم، بأن أعداداً كبيرة من السجناء يقبعون في خيام كبيرة في ساحات السجن.
فلسفة الخيام وتحويلها إلى سجون ليست جديدة، فقد اتبعت في «أحداث التسعينيات» عندما اكتظت مراكز التوقيف والسجون في البحرين بالمعتقلين السياسيين في تلك الفترة، حتى اضطرت الجهات الأمنية لنصب خيام في ساحات الإدارة العامة للتحقيقات الجنائية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الموقوفين، حتى تم تحويل مركز «قرين» إلى توقيف، وفتحت أبواب سجن «جو» المخصّص للمحكومين لاستقبال من هم لايزالون على ذمة التحقيق.
الأمانة العامة للتظلمات قالت يوم الأربعاء (18 مارس/ آذار 2015) إنها تلقت عدد (105) طلبات مساعدة من ذوي وأهالي بعض نزلاء السجن، شملت المطالبة بالاطمئنان على أحوال هؤلاء النزلاء، والاستفسار عن الخدمات المقدّمة لهم مثل الزيارات والاتصالات. إذ نعلم جميعاً أن تلك الطلبات الكثيرة متعلقة بالأحداث التي شهدها سجن جو.
الغريب أن الأمانة العامة للتظلمات تحدثت عن نقل السجناء من زنازينهم، ولكنها «تهرّبت» من الحديث عن المكان الجديد الذي نقلوا إليه، رغم أنها زارتهم، واطلعت على أوضاعهم، واستمعت إلى شكاواهم.
والسؤال: إذا كان المكان الذي نُقل إليه السجناء «جيد» ومناسب، فلماذا لم تتحدث «التظلمات» عنه، ولماذا فضلت وزارة الداخلية الصمت وعدم الرد على كل من تحدث عن سوء أوضاع، وإذا كان المكان خياماً وأوضاعاً «مأساوية» كما يروي الأهالي وتؤكّده مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، فلماذا فضّلت الأمانة العامة للتظلمات عدم الإفصاح عن ذلك.
ومن هنا نوجه سؤالاً مباشراً إلى الأمانة العامة للتظلمات: هل وُضع سجناء جو طوال الفترة الماضية – والتي شهدت في يوم من الأيام موجة غبار غير اعتيادية لم تشهدها البحرين منذ سنوات طويلة- في «خيام»؟ وهل لازالوا فيها حتى الآن؟ وهل هو إجراء قانوني؟ وهل يحقّق المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء؟
الغريب أيضاً أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التزمت الصمت طوال الأيام الخمسين، ولم تتحدث أبداً عن ما شهده سجن جو من أحداث من الطرفين (السجناء أو المسئولين عن إدارة السجون)، رغم أن هذه المؤسسة لديها منشورات ووثائق تتحدث فيها عن «المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء».
بحسب المعلومات، فإن المؤسسة زارت السجن، وأجرت تحقيقاً في الأمر، وستخرج بتقريرها، والذي لن يُعلن عنه، بل سيُقدّم إلى وزارة الداخلية فقط، وربما يكون ذلك بشكل «سري»، وهو أمرٌ يثير «القلق» أيضاً، إذ من حق الرأي العام أن يطلع بشفافية على تفاصيل ما يحدث في السجن على أقل تقدير من الجهات التي توصف بـ«المستقلة»، أم أن هناك أموراً أخرى جعلت من المؤسسة تلتزم «الصمت» أيضاً!
هناك من يتحدّث عن أن ما حدث وربما لازال يحدث في سجن جو حالياً، هو نسخةٌ مكرّرةٌ لما حصل في 2011 في جانب العقاب والانتقام والاعتداء والإهانة وجرح الكرامة، مما ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق، الفصل السادس، المبحث الرابع ضمن 22 صفحة في معاملة السجناء، وذلك التخوف نابع من عدم وجود مؤسسة محايدة حقيقةً يمكن أن يثق بها الأهالي تكشف لهم حقيقة ما يجري. فالأمانة العامة للتظلمات لجأت للحذر والاقتضاب الشديد في حديثها، فيما غابت المؤسسة الوطنية بشكل كامل، وقد تتذرع بحجة القيام بزيارة السجن وقامت بواجبها، ولكن بـ«صمت» يثير الاستغراب، إذا ما عرفنا أن المؤسسة خلال الـ50 يوماً أصدرت مجموعة بيانات بحسب موقعها لم تتطرق فيها لأحداث وأوضاع سجن جو.
هناك صمت رسمي، وتأكيدات أهلية عن سوء الأوضاع في سجن جو، وهناك جهات حقوقية ورسمية تصف نفسها بـ«المستقلة» توارت عن الأنظار، فما هي حقيقة ما يجري خلف أسوار سجن جو؟