د. عبدالعزيز المقالح
سؤال على كل الألسنة، وبكل اللغات، وربما تغيرت صيغته عند البعض على النحو الآتي: ماذا يجري في أقطار الشرق الأوسط؟ وهي صيغة باتت تتردد كثيراً على ألسنة بعض العرب الذين غيّروا جلودهم وتخلّوا عن انتمائهم القومي تحت ذرائع مشبوهة .
واللافت أن هذا الذي يجري في أقطار الوطن العربي من أقصى مشرقه إلى أقصى مغربه ليس سوى استمرار للهجمات المتلاحقة والهادفة إلى زعزعة الكيان التاريخي لهذا الوطن الكبير وإرباك أبنائه وصرفهم عن تحمل مسؤوليتهم في هذه الحقبة الخطرة من تاريخ الإنسانية . ولا ريب في أن أغلب ما يجري يثير الفزع ويضاعف من حالات الإحباط واليأس حتى عند أكثر المتفائلين وأشدّهم تشبثاً بالأمل، إذ ما من قطر عربي إلاّ ويعاني من حالة اضطراب تكبر مساحتها أو تصغر، والأخطر في الأمر أن الأقطار العربية التي كانت تشكل مركز النهوض والتجاوز باتت تشكل بؤرة الاضطرابات وتدفع بقية الأقطار إلى ظروف مشابهة وإلى صراعات ما كانت لتخطر على بال .
وماذا يتبقى من الوطن العربي إذا خرجت مصر والشام والعراق، هذا الثالوث المقدس للوحدة والتغيير والاستنارة؟ وما الذي تنتظره المجتمعات العربية في كل الأرض التي تأخذ هذه الصفة من مشاريع مستقبلية بعد أن تمحورت الصراعات والخلافات الراهنة على الماضي والدوران في فلك التعصب والكراهية ورفع وتيرة الخصام مع الحاضر والمستقبل؟ ولماذا ونحن نضع أقدامنا بالقرب من منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين نغرق في السجالات التي كانت الأمة قد تجاوزتها وبدأت تتجه صوب الطريق الذي يضمن لها التقدم ولأبنائها المزيد من الوئام والعيش المشترك؟ أسئلة كثيرة تحاصر المواطن العربي، وإجابات أكثر لكنها لا تلقى من المتصارعين آذاناً صاغية فقد جعلهم الاصطفاف المغلوط في وضع يتلاقى فيه الصمم مع العمى، وما يرافقهما من موت الإحساس والإدراك .
لقد كانت هناك في الواقع العربي وما تزال حالات من الانحراف الخطر في السلوك السياسي والاجتماعي، ومعالجة هذه الحالات لا تكون بالهروب منها أو مواجهتها بالتفتت والانحياز إلى التخندق في الانتماءات الضيقة وضرب قواعد الألفة والأواصر الجامعة، ولا بالاستقراء على الآخر الذي هو هنا أخي وابن وطني ولا تكون المواجهة أيضاً باستنفار أقلية طائفية أو مذهبية والدفع بالآخر للبحث عن مصادر استقراء مماثلة ، وما يترتب على مثل هذا التخندق المعيب من عبث وإهدار للطاقات وإغراق المجتمعات بمزيد من البؤس والحرمان، وتجاهل الهبوط المستمر في التعليم والخدمات الصحية، وتعطيل كل المبادرات الهادفة إلى وضع حلول للمشكلات المزمنة، وما أكثرها في مجتمعاتنا التي عانت وتعاني من غياب الحرية من الاختلال في تطبيق مبادئ المواطنة الفاعلة على أكثر من صعيد .
ويظل السؤال الأساس قائماً وهو: ما الذي جرى ويجري هنا وهناك في هذا القطر العربي أو ذاك؟ ومن بين الإجابات العديدة القول بأن ذلك نتيجة حتمية لمظاهر الانحراف الذي انطلقت منه مشاعر الكراهية من مكامنها، وما رافق ذلك من انقسام كل قطر عربي على نفسه، يحارب بعضه بعضاً ويكيد بعضه لبعض، والمثير واللافت هو: كيف اكتشفنا بعد عصور من الألفة والتعايش بين كل مكونات مجتمعاتها، أننا مختلفون في حين أننا لسنا كذلك، إنما هي أطماع حفنة من الساسة الطامحين والطامعين الذين يعرفون كيف يستغلون مشاعر البسطاء من الناس تحت دعاوى لا أساس لها من دين أو مذهب، فلم يكن الدين إلاّ قوة توحيد ومنهج تقارب، كما لم تكن المذاهب سوى اجتهادات فكرية لا يمكن لها أن تتناقض أو تتجاوز روح العقيدة .
ومن هنا يأتي دور العلماء ورجال الفكر والدعاة الصادقين في تصحيح الاعوجاج العقائدي والفكري وإعادة الجانحين إلى جادة الصواب حفاظاً على الدين وحرصاً على الوطن الذي يوشك أن يتهاوى تحت وطأة الخلافات التي بدأت تسحق مشاعر أبنائه وتعيدهم إلى المرحلة التي انطلقت منها مقولة “تفرقوا أيادي سبأ”!!