قاسم حسين
منذ أسابيع وشكاوى السجناء وأهاليهم تتصاعد من سوء الأوضاع في سجن جو الشهير، الواقع بالمنطقة الجنوبية من البحرين.
في مقدمة الشكاوى، إلى جانب سوء المعاملة، عدم وجود أجهزة تكييف في عنابر السجن منذ أكثر من أربعة أسابيع، وهو نوعٌ من العقاب غير الإنساني في جوٍّ مثل البحرين، وفي أشهر الصيف القاسية.
يمكن لأي بحريني، مواطناً أو مسئولاً، أن يتخيّل وضعه دون مكيف هواء، ليس في منزله ومكان عمله فحسب، بل حتى في سيارته أثناء مشاويره القصيرة. فكيف بمن يقبعون في السجون، ويتعرضون لمشاكل صحية مباشرة من حساسية وأمراض تنفس ومشاكل جلدية والتهابات ومعاناة على مدار الساعة.
الشكاوى بدأت تتسرب عبر أهالي السجناء، جراء ما يسمعونه من قصص عذاب ومعاناة، وتحوّلت إلى حملاتٍ مفتوحةٍ عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مثل «الفيسبوك» و «التويتر»، ما يجعل لها صدى خارجياً يكرّس الصورة السلبية لانتهاكات حقوق الإنسان البحريني في المحافل الدولية. وتزداد هذه المعاناة في الشهر الفضيل، مع استمرار الإهمال والتجاهل لمثل هذا المطلب البديهي المشروع.
أوضاع السجون في البحرين لم تكن يوماً مُرضِيَةً، وهناك أكثر من ثلاثة أجيال من أبناء الحركات القومية والوطنية والإسلامية، ممن استضافتهم السجون خلال العقود السابقة مرّوا بهذه التجارب المريرة. والمؤسف أنها مازالت مستمرةً رغم كل ما يقال عن تحسين لأوضاع حقوق الإنسان وتعيين وزراء ووزيرات لتدوير قضايا هذا القطاع وليس إدارته على الوجه الإنساني المطلوب.
من شكاوى السجناء عدم توافر العلاج المناسب، سواءً لمن تعرّضوا لإصابات جراء التعذيب أو المصابين بأمراض مزمنة؛ وضيق مساحة الزنزانة، والاحتجاز فيها لفترة 22 ساعة، وعدم السماح للسجناء بالخروج ساعتين للتهوية والتريّض إلا وقت الظهيرة. كما كشفوا عن إهمال للجانب الصحي وعدم اكتراث بالنظافة، إلى درجة عدم تنظيف دورة المياه بالمواد الصحية إلا ثلاث مرات في العام. ويمكن لأي مواطن أن يقارن ذلك بمستوى النظافة المتبعة في المنازل اليوم.
تغيير اسم السجون إلى المؤسسات التأهيلية أو الإصلاحية، لا يغيّر من قبح المشهد، وإذا كانت تلك الشكاوى مما يمكن حله بسهولة عبر إجراءات إدارية سريعة، إلا أن هناك شكاوى تمس كرامة الإنسان، ولا تنتظر التسويف أو المماطلة، فكيف يستقبل العالم أخباراً عن استمرار تعرّض السجناء للإهانات أثناء مغادرة السجن، أو تعرض بعضهم للتعذيب وفقاً للأمزجة وبعيداً عن القانون. هذه تحتاج إلى تغيير السياسة العامة والنظرة التي تحكم العلاقة بين من ينفذ القانون وبين من يطبق عليه، بحيث لا تبقى وفق نظرية الضحية والجلاد.
ثلاثة أجيال من البحرينيين، قوميين ووطنيين وإسلاميين – وينتظر أن يلحق بهم إسلاميون من الشق الثاني من أبناء البلد – ممن مروا بهذه التجارب، وبعضهم كتب مذكراته ونشرها في كتاب، وبعضهم نشرها في النشرات الحزبية أو على مواقع الإنترنت. كلها صرخاتٌ تنضح بالألم والمعاناة، لم تنقطع منذ أيام النضال الوطني قبل خمسين عاماً، فهل نحن بحاجة إلى خمسين عاماً أخرى من الألم والمعاناة بعد الاستقلال؟