ماذا عن المرأة الثورية العربية؟
علي محمد فخرو
ماذا كان دور المرأة العربية، وعلى الأخصِّ الشَّابات منهنَّّ، في ثورات وحراكات الانبعاث الربيعي العربي؟ الجواب ببساطة: كنَ في خضمٍّ الأحداث وجزءاً من أتون لهيبها. مثل رفيقها الشاب خرجت في المظاهرات، هتفت بسقوط الطُّغاة، واجهت الرَّصاص والموت. جرح الكثيرات من بين صفوفها وتقبّل الضحايا الشهادة بابتسامة ورضى.
وعندما مات أزواجهنّ أو أبناؤهنَّ أو أيَّ عزيز آخر، ذرفن دموع الكبرياء والصُّمود والصَّبر، وقاومن ضعف رقًّة المشاعر الأنثوية المعجزة.
وعندما ظهرن على شاشات محطات التلفزيون بَهَرن العالم بثقافتهنَّ السياسية، بمعرفتهنَّ العميقة بأحلام وطموحات أمَّتهن العربية، بتشخيصهنَ لواقع شعوبهن الاجتماعي والمعيشي، بنديَتهنَ المفحمة في الحوار والنقاش. أبداً كن َّمساويات لإخوانهن الشباب، كتفاً بكتف، عطاءً بعطاء، غضباً بغضب، وتضحيةً بتضحية.
وإذا بدا واضحاً منذ البداية أن شباب الثورات قد بنوا قطيعةً نهائيةً مع الخوف التاريخي العربي أمام الاستبداد والطُّغاة، فإنّ شابات الثورات فعلن ذلك وأضفن قطيعة نهائية مع المكانة الوضيعة التاريخية… مكانة الوأد والعار والظلم والقوامة المزوَرة التي لا يرضاها الله الحق، ربّ القسط والميزان، التي فرضتها العادات المتخلٍّفة على المرأة العربية. وهكذا فعندما تصل الثورات العربية إلى مبتغاها فإنها ستجرف إلى الأبد مشاعر الخوف المذل ومرض الانحياز الظالم من أعماق النفس العربية.
المرأة العربية التي شاركت بذلك الشكل المبهر في مسيرة الثورات والحراكات العربية يحقّ لها أن تشارك، عدلاً ومروءة، في جني ثمارها المباركة وعلى الأخص ثمرة الديمقراطية التي هي أحد أهم أهداف الانبعاث الربيعي العربي.
من نافلة القول ضرورة تمتّع المرأة العربية في مجتمعات ما بعد الثورات بالعيش في حياتها الخاصَّة، زواجاً وأمومةً وطلاقاً وتعليماً وعملاً وتقاعداً وتقاسماً للمكانة والخيرات. العيش تحت ظلال الأسس النبيلة التي تقوم عليها الديمقراطية الحقّة: الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة والإنصاف والمواطنة الكاملة. لكن ما يهمنا التركيز عليه اليوم هو حقّها في اقتسام السلطة السياسية المجتمعية… ما معنى ذلك بالتحديد؟
نعني أن تصَر قوى الثورات والحراكات، في السلطة وفي المجتمع، على إصدار قوانين ملزمة تخصّص بموجبها للمرأة العربية نسبةً لا تقل عن الثلث من مجموع المقاعد البرلمانية المنتخبة والمجالس الاستشارية، المنتخبة أو المعينة، والحقائب الوزارية والسِّلك القضائي وأية مجالس أو هيئات وطنية يتم إيجادها لأغراض محدَدة.
في الانتخابات البرلمانية يجب أن توجد قائمتان: واحدةٌ للرجال وأخرى للنساء. والناخبون من الرجال والنَّاخبات من النساء يجب أن يلتزموا بانتخاب ما لا يقل عن ثلث المقاعد من قائمة النساء وما لا يزيد على ثلثي المقاعد من قائمة الرجال.
إن مثل ذلك التوجَه يحتاج أن يفرضه القانون على الأقل لفترة انتقال معقولة، وذلك من أجل إعطاء فرصةٍ حقيقيةٍ لبروز قيادات وشخصيات عامة وكفاءات إدارية وقانونية مقنعة من بين النساء. عند ذاك، وعند ذاك فقط، سنستطيع إحداث تحوّلٍ عميقٍ مقنعٍ في العقلية والثقافة الانحيازية العربية، عند الرجل والمرأة على السَواء، تجاه مكانة المرأة وحقوقها، والتي بناها عبر القرون بعض المنظٍّرين لنظام أسري استبدادي ولاجتهادات فقهية تناقض المساواة الإلهية والطبيعية لكرامة وحقوق البشر.
من المؤكد أن الثورات العربية ستؤدِّي، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى تغييرات كبرى في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. ومثل رفيق دربها الرجل، ستجني المرأة العربية ثمار التحسينات والعدالة في كل تلك الحقول . لكن حقل تقاسم السلطة المجتمعية بين الرجل والمرأة، بالتحديد، يجب إيلاؤه أولوية خاصة، ذلك أن بقاءها خارج تلك السلطة، المادية والمعنوية، والسماح لإرث تاريخي غير عادل ليتحكّم في حياتها الخاصة والعامة، ونسيان التضحيات الكبيرة التي قدَمتها والجهود الهائلة التي بذلتها إبَان قيام الثورات العربية. إنَ كل ذلك أو بعضاً منه سيجرِّد الثورات العربية من روحها الإنسانية وقيمها الأخلاقية ويجعل تغييراتها الكبرى المنتظرة خارج العدالة الإلهية والبشريةعلي