قاسم حسين
من أغرب التصريحات التي لم نُفاجأ بها إطلاقاً، إعلان تجمع جمعيات الفاتح رفضه لمبدأ الحكومة المنتخبة ومعارضته لإجراء أي استفتاء شعبي على أية مخرجات لمنتدى الحوار الوطني.
اقتراح الحكومة المنتخبة الذي تصر عليه المعارضة يقوم أساساً على مبدأ «الشعب مصدر السلطات»، وهو مبدأٌ مسلّمٌ به في الميثاق والدستور، فكيف ترفضون مبدأً ينص عليه الدستور والميثاق؟ ثم إن مبدأ «الشعب مصدر السلطات» معتمَدٌ في كل الدول الديمقراطية العريقة وغير العريقة، وفي كل الجمهوريات في العالم، بما فيها الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى، أيام العقيد الراحل معمر القذافي…
فكيف تعارضون مبدأ متفقاً عليه عالمياً حتى عند الأنظمة الدكتاتورية؟ لقد كان تصريحاً مهترئاً سياسياً، وكان معيباً أخلاقياً أن يُنظّم مؤتمر صحافي يشارك فيه رؤساء جمعيات تدّعي أنها سياسية، ليعلنوا رفضهم للمبدأ الذي تقوم عليه الحياة الديمقراطية في ثلثي دول العالم، في مطلع الألفية الجديدة. فكيف ستستقبل وكالات الأنباء مثل هذا التصريح؟ وفي أي صفحةٍ ستنشره الصحف؟ بل وكيف ستفسره سفارات الدول الكبرى الحليفة؟ وكيف سيكون رد فعل وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون؟ وماذا سيقول عنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون؟ وكيف ستعلّق عليه المفوضية السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي؟ بل وكيف ستتلقاه منظمات حقوق الإنسان والشفافية الدولية واليونسكو واليونيسيف ولجنة نوبل للسلام؟ إنه تصريحٌ غير معقول، وغير مقبول، وغير منطقي على الإطلاق.
وقد أخطأتم خطأً سياسياً كبيراًً ويجب التكفير عنه والاعتذار بسببه إلى شعب البحرين، بجميع طوائفه ومكوناته وشرائحه وطبقاته.
ثم إن رفضكم لإجراء أي استفتاء شعبي على أية مخرجات للحوار، يُعتبر سقطةً سياسيةً أخرى، فالمعارضة كانت مقنِعَةً أكثر حين احتكمت للشعب لتقرير ما يقبله وما يرفضه، أما الرفض المسبق والمطلق ففيه استهانة بالشعب البحريني الأصيل!
ولعلمكم الكريم! الأغلبية الساحقة اليوم باتوا يعارضونكم حتى ممن تكلمتم طوال عامين باسمهم، وفي الأيام الأخيرة انطلقت حملاتٌ واسعةٌ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تحت «هاشتاق/ التجمع- لا- يمثلنا». فقد «داب الفلج وظهر المرج» كما تقول الأمثال!
المعارضة التي تعارضونها في كل صغيرة وكبيرة، حتى لو كان أغلب ما تطرحه في مصلحة «جماهيركم»، وتصب في صالح مستقبل أطفالكم، طرحت العام الماضي «وثيقة المنامة»، وهي خطة سياسية عملية للخروج من الأزمة، فماذا قدّمتم أنتم؟ ذهبتم لجلسات الحوار تحملون «ورقة A4» مكتوبة بخط اليد! هل تخرج «ورقةA4» مكتوبة بخط اليد بلداً من أزمة؟
ثم أن المعارضة ذهبت شمال الكرة الأرضية، إلى موسكو لشرح وجهة نظرها السياسية، وزار وفدٌ منها باريس ليلتقي بأكبر الأحزاب السياسية ليوضح وجهة نظره في حلّ الأزمة البحرينية، فماذا فعلتم أنتم؟ ذهبتم جنوباً إلى جنوب إفريقيا التي تحرّرت من نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، لتقنعوا جاكوب زوما بأن إعطاء 63 في المئة من الأصوات 18 مقعداً، وتخصيص 22 مقعداً لـ 37 في المئة من الأصوات، هو أفضل نظام انتخابي في العالم!
المعارضة قالت كلمتها بوضوح: تريد نظاماً ديمقراطياً حقيقياً وحكومة ديمقراطية ينتخبها الشعب وتحترم حقوق الإنسان! فماذا تريدون أنتم؟ تكلًموا بصراحة ومن دون تقية! لا تخافوا! لن يعتقلكم أحد أو يعذّبكم أو يفصلكم من أعمالكم ويجوّع أطفالكم! قولوا ما تشاؤون! هل تريدون حكومة ثيوقراطية؟ أم حكومة بيروقراطية؟ أم حكومة تكنوقراط؟