قاسم حسين
لم يكن مفاجئاً التغيير الجذري الكبير في تصريح وزير الخارجية بخصوص الإخوان المسلمين، وإنّما كانت المفاجأة في حدوث التغيير بهذه السرعة الخاطفة جداً.
كان التغيير متوقعاً تماماً، لكن كان متوقعاً أن يأخذ أسبوعاً على الأقل، لا أن يحدث خلال 24 ساعة. فتبني الموقف الجديد من «السلفيين» احتاج إلى 22 يوماً، ليتساوق مع موقف دول الجوار في تجريم أكبر الحركات «الجهادية» (سابقاً) واعتبارها «إرهابيةً» خارجة على القانون، يُعاقَب من يلتحق بها بالسجن مدداً قد تصل عشرين عاماً.
العقدة في الموضوع البحريني أن الإخوان من الحلفاء التقليديين للسلطة، وقد تماهوا معها كما يتماهى السكر في الشاي. هكذا استقرت قواعد اللعبة لخمسين عاماً، لكنها تغيّرت اليوم، وأصبحت هناك استحقاقات للمرحلة، منذ أن أُعلِن تنظيم الإخوان المسلمين جماعةً إرهابيةً محظورة، أولاً في مصر، ولاحقاً في بعض دول الجوار الخليجي. وهي استحقاقاتٌ لا تقبل بأقلّ من إعلان موقف واضح وصريح، من دون مواربةٍ أو كلام ملتبس يحتمل أكثر من تأويل. وهو بالضبط الفارق الذي يلمسه المراقب بين تصريحات سعادة وزير الخارجية في إسلام آباد الأولى، وتصريحاته اللاحقة في البحرين.
التصريحات الأولى كانت تصريحات دبلوماسية ناعمة، حيث حاول التمييز بين الإخوان وتصنيفهم بحسب كل بلد، ليترك المجال مفتوحاً للحديث عن مراعاةٍ لـ «خصوصية» الوضع البحريني، فـ «إخوانكم» غير «إخواننا». لكن هذا الموقف الدبلوماسي لم يكن مقبولاً كما يبدو، فهناك أكثر من دولة خليجية شقيقة أعلنت حرباً مفتوحة لا هوادة فيها على تنظيم «الإخوان المسلمين» العالمي وذيوله المحلية، بعدما اعتبرته عدوها الأول. من هنا لم يعد مقبولاً المواربة ومحاولة الالتفاف… فـ «إما أن تكون معي أو مع الإخوان»!
ليس متوقعاً أن تتم إزالة «إخوان البحرين» وإبعادهم عن مفاصل الدولة، على رغم أن ذلك مطلب وأمنية خليجية في هذه المرحلة، إلا أن المطلوب على الأقل إخراجهم من المشهد السياسي البحريني، بحيث لا تظل لهم إطلالة تذكّر الخليجيين بوجود بعض «جيوب المقاومة» الإخوانية في قلب الخليج، بينما يتم حصارهم وملاحقتهم أمنياً، ومحاربتهم إعلامياً، وتجفيف منابعهم مالياً، في دول الخليج الأخرى.
للسلطة طبعاً أن تدافع عن وجود الإخوان في مفاصلها وتمكينهم من بعض وزارات الدولة المهمة، باعتبارهم جماعةً وظيفيةً أدّت أدواراً خادمة لها. وللسلطة أن تستشهد باستغلال مواقفهم في مناهضة الحراك الشعبي قديماً وحديثاً، وبتأييدهم المطلق له حتى داخل التجربة البرلمانية بما أفرغها من محتواها الديمقراطي. لكن كل ذلك سيعتبره الخليجيون مجرد تبريرات غير مقبولة خليجياً، ولا ترقى لمتطلبات المرحلة.
داخلياً، تنحية الإخوان من المشهد السياسي أو تقليص وجودهم ونفوذهم، لن يكون مصدر حزنٍ للكثيرين، فبغض النظر عن المعارضة الوطنية (الحركيين الإسلاميين وقوى اليسار والقوميين والبعثيين)، هناك الليبراليون والمستقلون في صفوف السنّة، الذين يرون في الإخوان جماعةً ميكافيلية نالت مواقع وغنائم أكبر من حجمها ومما تستحق. وكما حدث مع إخوان مصر، بسبب سياساتهم الاستبدادية والإقصائية، من تخلّي الجميع عنهم حين انقلب عليهم العسكر، فإن إخوان البحرين لن يجدوا من يبكيهم فيما لو تم تقليم أظافرهم، وخصوصاً لما فعله ممثلوهم في وزارات التربية والتنمية وحقوق الإنسان. وقد شاهدنا سيناريو مصغراً في انتخابات 2010، حين قلصت مقاعدهم من ستة مقاعد إلى مقعدين، وأعطيت لما سمي حينها بـ «كتلة المستقلين». لم تُذرف دمعةٌ واحدةٌ حينها عليهم، وظلّوا شبحاً لكتلةٍ كسيرةٍ عاريةٍ من الأمجاد.