قاسم حسين
استعدت الحكومة لـ «واقعة جنيف» بإرسال وفدٍ مكوّنٍ من أكثر من مئة شخص، بينما ضمّّ الوفد الأهلي ربع هذا العدد، إذ لا يتجاوز خمسة وعشرين فرداً من الناشطين السياسيين والحقوقيين والأطباء والمحامين.
التقرير الحكومي تم نشره أمس (الثلثاء)، ومن المنتظر أن يجري مناقشته اليوم بحضور وفود الدول وممثلي منظمات المجتمع المدني. وهو تقرير يتضمن وجهة النظر الرسمية، القائمة على تكذيب أية ادعاءات بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، أو سجناء رأي، ممن طالبت عواصم الدول الحليفة الكبرى والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية بإطلاق سراحهم باعتبارهم ضحايا وسجناء رأي، وخصوصاً بعدما جرى إعادة محاكمتهم ولم تتغير الأحكام الأولى الصادرة ضدهم أيام فترة السلامة الوطنية.
المعارضة ذهبت إلى جنيف ولديها أفلامٌ ووثائقُ وصورٌ كثيرة، تثبت استمرار الانتهاكات في البحرين، فضلاً عن صور أكثر من مئة مواطن قتلوا منذ منتصف فبراير/ شباط 2011، وبعضهم قضى تحت التعذيب في أقبية السجون. وهذا العدد يعتبر ضخماً جداً مقارنةً بالتعداد السكاني، والتزام الحركة السياسية في البحرين بالنهج السلمي.
كما أن هذا العدد يتوزّع جغرافياً على مناطق واسعة من الخارطة، ويشمل شرائح عمرية مختلفة، تبدأ ما دون السنة وتتجاوز الخامسة والستين، كما يشمل الجنسين ولم يقتصر على الرجال فقط.
الملاحظ أن أكثر ضحايا الأشهر الأخيرة سقط أكثرهم نتيجة استخدام سلاح الشوزن والجيل الجديد من مسيلات الدموع الخانقة التي نشر الكثير عن أضرارها الصحية القاتلة. وهذه الغازات الخانقة جرى استخدامها بكثافةٍ في مناطق سكانية عن سابق عمدٍ وإصرار، في نوعٍ من العقاب الجماعي، ومن الصعب تبرير ذلك في جنيف بأي شكل من الأشكال.
إلى جانب الصور واللقطات المصوّرة التي وثّقت استمرار الانتهاكات بعد صدور التوصيات الـ 167 من قبل ممثلي الدول بمجلس حقوق الإنسان في مايو/ أيار الماضي، رصدت المعارضة ذلك بالأرقام، فكشفت عن وجود 717 حالة اعتقال، و343 إصابة، 80 منها برصاص الشوزن، و45 بطلقٍ مباشرٍ لمسيلات الدموع. وهناك أرقامٌ أخرى صادمة للضمير الإنساني، في مقدمتها ما جرى من فصلٍ لأكثر من ستة آلاف مواطن بحريني من وظائفهم، بسبب مواقفهم السياسية، في عقاب جماعي شمل مختلف الشرائح، من أطباء وممرضين ومسعفين ومعلمين ومهندسين وإعلاميين ورياضيين وموظفين وطلاب جامعيين ومدرسيين من الجنسين. وربما لا تقل نسبة النساء المعاقَبات عن الثلث (أي في حدود ألفي امرأة)، بما يفنّد كل الأطروحات التي تم تسويقها عن تمكين المرأة خلال العقد الماضي.
من هنا، لم يكن مصادفةً إذاً في الجلسات الجانبية أمس، أن قدّم الوفد الأهلي خمسة عروض حول الانتهاكات، أربعة منها قدّمتها المرأة البحرينية: فريدة غلام (وعد)، مريم الخواجة (ناشطة / مركز حقوق الإنسان)، رولا الصفار (رئيسة جمعية التمريض/ سُجنت لعدة أشهر)، ندى ضيف (من الكادر الطبي الذي قُدّم للمحاكمة بسبب معالجة جرحى الأحداث واتُهِم باحتلال السلمانية/أكبر مجمع طبي بالبحرين).
الوفد الرسمي ذهب للدفاع عن كل تلك الانتهاكات وتبريرها، ونفي وقوع الكثير منها، وهي مهمةٌ صعبةٌ بلا شك، حتى وإن حصل على تعاطف بعض مندوبي الدول الصديقة والحليفة. وفي المقابل تطالب المعارضة بإيجاد آليةٍ ملزِمةٍ لتنفيذ التوصيات، وتعيين مقرّرٍ خاصٍ للبحرين من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي طالما تعرضت للنقد والتجريح في وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، لمجرد إعلان مواقفها الناقدة لأوضاع حقوق الإنسان.
في جنيف ذهب مئة موفدٍ رسمي… ستستقبلهم صور مئة ضحيةٍ ينتظرون حُكمَ عَدلٍ وصحوةَ ضميرٍ وكلمةَ إنصاف.