قاسم حسين
شهدت الشهور الأخيرة نشر عدد كبير من لقطات الفيديو القصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، عن تعرض عدد من المواطنين والمنازل لانتهاكات واضحة لحقوق الإنسان على أيدي بعض رجال الأمن.
هذه الفيديوات تلتقط في أوضاع أمنية ومداهمات، ولذلك تأتي أحياناً غير واضحة أو مهزوزة، أو لصعوبة الزاوية التي تلتقط منها، لكنها تكون كافية لرصد الانتهاكات وإثبات ما يقع على الأرض ممّا تحاول وزارة الداخلية تبرئة منتسبيها من ارتكابه.
خلال الشهر الجاري انتشرت عدة فيديوات التقطت في مناطق مختلفة، كانت الإساءات فيها واضحة ولا تقبل الشك والتبرير، كما حصل من ضرب مواطن في مقبرة بني جمرة بطريقة وحشية أثناء توجهه لصلاة الجمعة، وآخرها لطم مواطن من عالي في الشارع وهو يحمل طفله، بشكل استفزازي واضح.
الانتهاكات لم تكن جديدة، فبعد أحداث فبراير 2011، تعرض كثير من المواطنين لانتهاكات وإساءات وشتائم في الشارع أو عند مداخل المناطق السكنية أو في البيوت. وقد سجّل ذلك محمود بسيوني في تقريره الشهير، وكانت محل إدانة منظمات حقوق الإنسان الدولية.
الجديد هو دخول التقنية الحديثة في السنوات الأخيرة كعامل حاسم في موضوع الرصد، بفضل ما وفّرته من وسائل تصوير ونقل وبث سريع على مواقع التواصل الاجتماعي. فالهواتف النقالة أتاحت للجمهور سهولة توثيق الانتهاكات في أية ساعة من الليل أو النهار، بحيث لم يعد ممكناً التملص من مسئولية الانتهاكات. كما أن القول بوجود «كمائن محكمة» لرجال الأمن لتصويرهم أثناء ذلك، لا يعفي الوزارة من مسئولية ضبط ومحاسبة منتسبيها، لأن السؤال: لماذا حدثت هذه التجاوزات أصلاً، وليس كيف ولماذا تم تصويرها، ففي ذلك تجاهلٌ لما تلعبه التقنية الحديثة من دور متعاظم في حراك الربيع العربي.
التعاطي مع هذه الوقائع بعقلية المؤامرة المدبرة يدل على بعد عن الواقع، بينما العالم الحديث يتحدث منذ عشرة أعوام عن نشوء «صحافة المواطن» التي باتت تمثل تحدياً حقيقياً للصحافة التقليدية. وهي صحافة اجتماعية لا تحتاج إلى معاهد تعليمية، ولا دورات تخصصية، وإنما لدرجةٍ من الحس الصحافي والتواجد في موقع الحدث في الوقت المناسب، ليأخذ الخبر طريقه للانتشار خلال دقائق معدودة في الداخل والخارج.
في العالم العربي كان النشطاء السياسيون والحقوقيون من أكثر الفئات استعانةً بوسائل التواصل الاجتماعي لبث رسائلهم والترويج لأفكارهم من أجل التغيير، كما حدث في مصر وتونس وسورية والخليج وبقية أقطار الربيع العربي. وشهدنا هذا العام محاكمة عدد من الحقوقيين والناشطين هنا وهناك، بسبب ما كانوا ينشرونه من تغريدات وآراء أو قصائد شعرية، وهي قضية وضعت هذه الدول تحت مطرقة النقد العنيف، إذ يبدو الحكم بالمؤبد بسبب قصيدةٍ ضرباً من اللامعقول.
الراصد لتطورات الوضع السياسي، سيلحظ زيادة التوجه لاعتقال الناشطين الحقوقيين خلال الأشهر الأخيرة، في خطوةٍ يعتبرها الكثيرون محاولة لإسكات أصواتهم وإخراجهم رويداً رويداً من الساحة، لعرقلة عملية رصد وتوثيق الانتهاكات. ولأن الزمن لم يعد خالصاً لسلطات الرقابة كما كان لعقود، تشهد الساحة ولادةً طبيعيةً لمئات المدوّنين والراصدين الجدد في هذا الربيع العربي الكبير، يتربصون بكاميراتهم لأيّ انتهاكٍ «في كل بيت وحارة وجامع».