هاني الفردان
أثبت المفصولون عن العمل قدرتهم الكبيرة على التحمل، وإصرارهم على الاستمرار في مسيرتهم للمطالبة باسترداد حقهم المسلوب والعودة إلى مواقع عملهم دون شروط مجحفة أو مذلة ومخالفة للقانون.
حراك المفصولين عن العمل أثبت للجميع بأن هذا الشعب شعب واعٍ وكريم، ولا يمكن أن يقبل بالمهانة أو الشروط المذلة، ولن يعود هؤلاء للعمل بشروط مذلة، بل هم متمسكون بكامل حقوقهم ومكتسباتهم دون نقص.
هذا الموقف ليس تحدياً ولا عنجهية، بل هي ترجمة لمعاني العزة والكرامة وسمو الذات، فالتجويع لأكثر من عشرة أشهر لم يجدِ، وقطع الرزق والسجن والتعذيب والتهديد لم ينفع، فالله كفيل بأرزاق عباده الذين خلقهم.
مشهد استقبال المفصولين لوفد منظمة العمل الدولية يوم الخميس الماضي، في اعتصام حاشد، عكس الأكاذيب التي حاولت بعض الجهات ترويجها، بأن القضية قاربت على الانتهاء، فاللجنة شاهدت بأم عينها حجم مأساة المفصولين دون الحاجة لأرقام وتقارير لا تعكس حقيقة الواقع. وربما تفاجأ الوفد بأعداد المفصولين وتنوع جنسهم وتخصصاتهم وحجم معاناتهم. وربما استغرب الوفد من رؤية أطباء مفصولين، وعلى رأسهم استشاري جراحة المخ والأعصاب في تخصص فريد من نوعه في هذا البلد.
من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها الجهات الرسمية أن أوصلت نفسها إلى هذا المشهد، الذي جعل من الوفود الدولية شاهدةً على ظلم واضطهاد فئة وجماعة في هذا البلد، فمهما حاولت من تحسين الصورة وتجميلها، فلن تكون الكلمات والأرقام التي توردها أصدق من مشهد المعتصمين المفصولين أمام وزارة العمل.
إن عودة المفصولين لأعمالهم وبكامل حقوقهم سيحدث اليوم أو غداً، ولن يتأخر كثيراً، إذ أثبت المفصولون للجميع صبرهم وثباتهم واستمرارهم على المطالبة باسترداد حقوقهم، وعدم خضوعهم للابتزاز والتهديد والوعيد، أو حتى الترغيب عبر تسويات مالية غير مقبولة.
الحقوق التي كفلها الدولة المدنية ليست منة من أحد. وحق السكن، حق العمل، حق التعلم، حق العلاج، وكل الخدمات الأساسية ليست عطايا تقدمها الدولة للمواطنين بل هي حقوق واجبة على الدولة التي تعمل لدى الشعب وتتسلم رواتبها وأجور موظفيها من أموال هذا الشعب وخيراته.
لا يخرج أحد ليزايد على وطنية هذا الشعب وانتمائه وحبه لهذه الأرض، أو يمن عليه بإعطاء حقوقه، فهذه الأرض أرضه وخيرها لأبنائه جميعاً بلا استثناء، وليس من حق أحد أن يقطع رزق أحد أو يحرمه من حقوق المواطنة أو خيرات بلاده عندما يطالب بحقوقه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
المواطن في العصر الحديث إنسان حر يتمتع بكافة حقوقه، والعبيد هم فقط الذين لا يملكون هذا الحق ويرون في سيدهم رازقهم، أما الأحرار فيعبدون الله وحده.
إن الحكومات في العالم الحديث تعمل لدى الشعوب، وتتقاضى أجراً، وبالتالي عليها أن تستجيب لإرادة الشعوب، فالأمم هي مصدر السلطات، وسيعود الجميع لأعماله شاء من شاء وأبى من أبى
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.