قاسم حسين
في تصريحٍ لوزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي مؤخراً، قال إن وزارته بصدد «وضع» التصوّرات اللازمة لإطلاق برامج حقوقية إعلامية، كاشفاً عن إيمانه بأن هذه البرامج «الإعلامية» تساهم في نشر «الثقافة الحقوقية بمختلف مفرداتها»… وهي قضيةٌ مشكوكٌ فيها تماماً، وغير قابلةٍ للتسليم والإيمان.
أسوأ ما في الخبر الإشارة إلى وجود خطواتٍ تنفيذيةٍ مقبلة، بخصوص «إيجاد فرص للتعاون بين الوزارة وشركة (…) للإنتاج والنشر والتوزيع والدعاية والإعلان فيما يخدم الإعلام الحقوقي»، فالقضية أكبر من تعاونٍ مع شركات إنتاج ونشر وتوزيع ودعاية. إن قضية حقوق الإنسان أكبر وأخطر من عمليات التسويق والدعاية والإعلان.
هذه البدعة التي نسمع عنها لأول مرةٍ منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، تقوم على فرضية أن ما جرى من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، إنّما هي مجرد «روايات» و«حكايات» يمكن نقضها بتقديم «روايات» و«حكايات» مضادة، وبذلك يتم تبييض السجلات والملفات، وكان الله غفوراً رحيماً.
التعامل مع قضية حقوق الإنسان بهذه الطريقة، إنّما ينم عن استخفافٍ بقيمة الإنسان وحريته وكرامته، خصوصاً مع وجود انتقاداتٍ واسعةٍ من قبل المجتمع حول أداء الوزارة، وتفرغها للتغطية على الانتهاكات وتبريرها، بدل أن تتولى الدفاع عن الفئات المتضرّرة، في أرزاقها وحرياتها وحياتها اليومية.
ما جرى خلال الثلاثين شهراً الماضية، انتهاكاتٌ واسعةٌ لحقوق الإنسان، وكثيرٌ منها كانت انتهاكاتٍ غير مسبوقةٍ حتى على مستوى البحرين. ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعيa المختلفة، سيقف على عددٍ ضخمٍ من التغريدات والصور والفيديوات القصيرة، التي تكشف عن حجم هذه الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في كثير من المناطق والقرى والأحياء، خصوصاً ما يجري من استخدامٍ مفرطٍ للغازات المسيلة للدموع. ورغم كل ما كُتب عن أخطارها الصحية والبيئية، مازالت تُستخدم وبكثرة.
الوزير رحّب بمسئولي الشركة، وأكّد لهم أن الإعلام يعتبر مسانداً كبيراً وداعماً استراتيجياً لنشر الوعي الحقوقي في المجتمع! وهي قضيةٌ «سالبةٌ بانتفاء الموضوع» إذا كان يقصد الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، لاتخاذه موقفاً عدائياً سافراً من الفئات التي طالتها الانتهاكات، إلى درجة أن تحوّل بعضها إلى أبواقٍ تنفث حقداً وعنصريةً، حيث بلغت حدّ المطالبة بالفصل من الأعمال وسحب الجنسيات ومعاقبة الآباء بأفعال الأبناء أو معاقبة الأبناء وحرمانهم من البعثات بسبب مواقف الآباء السياسية.
وزير حقوق الإنسان، اعتبر ما أسماه «الإعلام الحقوقي» مؤازراً في نشر «ثقافة دولة المؤسسات والقانون»، وهي قضية مشكوكٌ فيها جداً لدى المراقبين، الذين شهدوا فصل عشرات الصحافيين، ومحاكمة بعضهم، وتخلّي جمعية الصحافيين عن قضيتهم وخذلانهم، بعدما أصبحت جمعيةً مغلقةً على فئةٍ من المقرّبين.
القضية ليست إدراك البحرينيين «لضرورة زيادة معرفتهم حول كل ما يمس الشئون الحقوقية»، كما يقول الوزير صلاح علي (وهو بالمناسبة من المنتمين لجمعية إسلامية عمرها خمسون عاماً)، وإنّما قضية انهيارٍ في البنيان الحقوقي. إنها انتهاكاتٌ صارخة، طالت أكثر من 140 ضحية، وأكثر من 60 شخصاً فقدوا عيونهم، ومئات المصابين بالجزء الأعلى من الجسم تم استهدافهم من مسافات قريبة. وهي قضايا وثّقتها منظمات حقوق الإنسان الدولية، وأصدرت عنها تقارير موثّقة بالمعلومات الدقيقة والصور، فيما دأبت الوزارة على محاولة الرد عليها وتفنيدها والاستخفاف بها.
إن حقوق الإنسان ليست مادةً لشركات العلاقات الطفيلية الانتهازية المتسلقة… وإنّما هي قضية مبدأ وضمير واحترام لكرامة البشر.