الذي يجري اليوم في أروقة الأمم المتحدة، وما تفعله القوى الكبرى في العالم ومعها الدول العربية فيما يتعلق بمجازر غزة وما يسمى الجهود الدبلوماسية، هي وصمة عار على جبين البشرية كلها. بل انها جريمة في حق البشرية وبحق كل القيم والمواثيق الدولية والانسانية.
كيان ارهابي همجي يقوم بعملية ابادة شاملة لشعب باسره على مرأى من العالم كله، ويرتكب كل جرائم الحرب التي يعرفها القانون الدولي بلا استثناء.
المنطق البسيط يقول انه بحسب القانون الدولي وبحسب كل القيم البشرية، فإن الموقف الدولي، وقبله الموقف العربي طبعا، يجب ان يتمثل في ان هذا العدوان الارهابي الهمجي يجب ان يتوقف فورا، وبلا أي شروط. ليس هذا فحسب، بل ان قادة الكيان الاسرائيلي الذين يشنون هذا العدوان ويرتكبون كل هذه المذابح، يجب أن يدانوا رسميا من الامم المتحدة ومن كل دول العالم كمجرمي حرب وابادة، وان يطالب العالم بتقديمهم للمحاكمة.
هذا هو الموقف المبدئي البسيط المفترض. ولكن لنتأمل ما يجري اليوم.
كل ما يسمى المبادرات السياسية، وما يسمى الجهود الدبلوماسية للتعامل مع هذه المجازر الوحشية، سواء في اطار الأمم المتحدة او خارجها، تهدف في الجانب الأساسي منها الى مكافأة هذا الكيان الصهيوني المجرم على عدوانه وعلى المجازر التي يرتكبها.
ذلك ان جوهر كل هذه التي تسمى مبادرات او اقتراحات للتعامل مع المجازر تقوم في الجانب الاساسي منها على ان وقف العدوان يجب ان يكون مرهونا، ليس بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال، وانما بتوفير الحماية للكيان الصهيوني.
حين يتحدثون مثلا عن اقتراح بقوات دولية في غزة، فإن مهمة هذه القوات بحسب كل الاقتراحات المعلنة، ليس ضمان عدم تعرض الشعب الفلسطيني للعدوان، وهو الشعب الخاضع للاحتلال، والذي تعرض لكل هذه المذابح. لكن يتحدثون عن قوات دولية تكون مهمتها ضمان عدم تهريب السلاح الى غزة، وعدم اطلاق صواريخ من غزة. أي لتوفير الحماية للكيان الصهيوني الغاصب.
لا احد في العالم كله يتحدث عن ان هذا العدوان الارهابي يجب ان يتوقف بلا شرط، وبلا مكافأة لهؤلاء المجرمين.
المنطق الذي يقف وراء هذه المبادرات وهذه المسماة بالجهود الدبلوماسية، هو منطق همجي في حد ذاته. فهو منطق جوهره انه بعد كل هذه المجازر التي ارتكبها الكيان الارهابي وبعد كل صور الابادة التي نفذها، فإنه يجب ان يحصل على ثمن لذلك، ويجب ان يكون أي وقف للعدوان مرهون بحصوله على مكاسب وعلى توفير الحماية له.
واين قرارات ومواثيق الأمم المتحدة التي تجرم الاحتلال والعدوان، وتفرض الحماية للشعب الخاضع للاحتلال؟.. اين القوانين والمواثيق الدولية التي حددت جرائم الحرب والابادة وحتمت ضرورة محاكمة مرتكبيها؟.. اين حق المقاومة المكفول للشعوب؟.. بل اين حق الشعب الفلسطيني في الحياة؟
كل هذا تدوسه المبادرات والجهود السياسية الحالية تحت الاقدام.
وما كان لهذا ان يحدث لولا ان الدول العربية في مواجهة مجازر العدو وحرب الابادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني وعلى كل العرب، لم تجد سلاحا تلجأ اليه الا سلاح العاجزين في عالم اليوم.. اللجوء الى مجلس الامن والاستنجاد به. هذا على الرغم من علمها التام انه لم تعد هناك شرعية دولية تتمسك بها الأمم المتحدة، وانما هناك فقط شرعية امريكية.
الرئيس الفنزويلي شافيز طرد السفير الاسرائيلي احتجاجا على العدوان الهمجي والجبان كما وصفه.
ولو كان شافيز رئيسا عربيا.. لو كان لدينا قادة عربا من امثال شافيز، لكان هذا العدوان الهمجي قد توقف فورا، ولما كان العالم قد استهان بدماء شهدائنا وبحقوقنا على هذا النحو وانحاز الى الكيان الصهيوني الارهابي.
لو كان لدينا قادة قادرون على اتخاذ خطوة عملية واحدة مثل خطوة شافيز، وما اكثر ما بمقدورهم ان يفعلوه، في مواجهة العدو وفي مواجهة القوى الدولية التي تقف وراء عدوانه وتدعمه، لما كانت كل جهود العالم اليوم تنصب على مكافأة العدو الارهابي بعد كل جرائمه.
أخبار الخليج العدد 11248 – الخميس 8 يناير 2009