عبدالنبي العكري
«لن نكون شهود زور»، «لن نكون بصَّامين»، «غير معقول أن نقطع كل هذه المسافات ونترك أوطاننا وأعمالنا، لتقولوا لنا إن كل شيء قد انتهى، وإن النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان قد انتهت صياغته، وما علينا سوى التصفيق والمباركة». هكذا ارتفعت أصوات العديد من ممثلي منظمات المجتمع المدني، من بين 150 مدعوّاً من العرب من خارج البحرين، الذين دعوا لحضور المؤتمر الدولي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان في البحرين خلال 25 – 26 مايو/ أيار 2014في المنامة عاصمة مملكة البحرين.
وكان ذلك بعد أن أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي ذلك، وثنّى عليه رئيس البرلمان العربي أحمد محمد الجروان، وأكده أيضاً الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني. في حين أن كلمة الداعي للمؤتمر رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عبدالعزيز أبل كانت ترحيبية ومبهمة. أما كلمة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، المغربي محمد الصبار، فكانت وعظيةً بشأن ضرورة الارتقاء بالتزام الدول العربية بحقوق الإنسان حسب المعايير الدولية، مادمنا قد قبلناها، ومنها المحكمة العربية لحقوق الإنسان، التي يجب أن تضاهي المحاكم الإقليمية المثلى.
وجميع المتحدثين أشاد بمبادرة ملك البحرين باقتراح إقامة البحرين ورحبوا باستضافة البحرين لها. الوحيد الذي شذّ في خطابه، هو رئيس قسم الشرق الأوسط في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فرج فينش، الذي رأس بعثة المفوضية لأكثر من شهرين في مملكة البحرين وهو يمسح أوضاع حقوق الإنسان ويسبرها بعمق، والذي طرح انتقادات وتخوفات لما جاء في مسودة نظام المحكمة والميثاق العربي لحقوق الإنسان. وكان لتوِّه، قد أشرف ممثلاً عن المفوضية وبالتعاون مع لجنة حقوق الإنسان للجامعة العربية ومديرة لجنة حقوق الإنسان بالجامعة آمال الشجني، على المؤتمر الإقليمي العربي للعلاقة بين الجامعة والمجتمع المدني العربي لحقوق الإنسان، كأول مؤتمر يضم ممثلين عن الحكومات العربية وممثلي منظمات المجتمع المدني العربية والخبراء العرب، يعقد في جامعة الدول العربية لمناقشة هذه العلاقة، بما في ذلك مشروع المحكمة العربية لحقوق الإنسان خلال 20 – 22 يونيو/ حزيران 2014.
وقد شهد المؤتمر الذي انعقد في القاهرة توترات وتباينات كبيرة، بحيث إن بعض ممثلي الحكومات العربية اعترضوا حتى على توجيه التوصيات للحكومات، وطالب آخرون بعرضها عليهم مسبقاً ليتشاوروا مع حكوماتهم! وهكذا قُدّر أن يكون مؤتمر القاهرة بروفةً لما سيحدث في البحرين.
وبالفعل فقد انعقد المؤتمر دون أن يكون لدى المشاركين قبل مجيئهم نسخةٌ من مسودة نظام المحكمة، والذي وُزّع على عجلٍ هو نسخة ما قبل الأخيرة. كما أن ما أكد مخاوف ممثلي المجتمع المدني، هو استبعاد أية منظمة ليست مرخصة من قبل حكوماتها أو شخصيات انتقادية لحكوماتها، بما في ذلك البلد المضيف البحرين، حيث لوحظ هذا الغياب بوضوح. ومما زاد الطين بلة ما طرحه الأمين العام المساعد للشئون القانونية بجامعة الدول العربية ورئيس اللجنة العليا لصياغة مسودة نظام المحكمة، السفير وجيه حنفي، حيث أكّد بشكل قاطع أن لجنة الصياغة انتهت تماماً من صياغة مسودة نظام المحكمة، وأنّه رفع إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، والذي سيرفعه بدوره إلى وزراء الخارجية العرب، الذين سيقرّونه بشكل نهائي في اجتماع المجلس الوزاري العربي لجامعة الدول العربية في سبتمبر/ أيلول 2014، والذي سيرفعه بدوره إلى القمة العربية القادمة لإقراره، وبذا يدخل حيّز التنفيذ. ومن ضمن ذلك أن تكون مملكة البحرين، التي اقترحت المشروع، مقرّاً دائماً للمحكمة.
وعندما ألقى ممثلو منظمات المجتمع المدني وكذلك الخبراء العرب، نظرة سريعة على مشروع نظام المحكمة، وجدوه خطيراً جداً، ومليئاً بالتناقضات، وهو دون مستوى الأنظمة المماثلة للمحاكم الإقليمية المماثلة، مثل المحكمة الأميركية والمحكمة الأوروبية وحتى المحكمة الإفريقية؛ وأن دور المحكمة العربية لحقوق الإنسان يقتصر على النظر في الدعاوى المقامة من دول عربية عند دول عربية أخرى، وبذا يكون استبعاد الشكاوى المقدمة من قبل المواطنين أو المقيمين في الدول العربية ضد حكوماتهم أو مؤسساتها أو من قبل منظمات المجتمع المدني إلا بموافقة حكوماتهم! كما أنه يضع قيوداً شديدةً على التقدّم بالشكاوى، حيث يُشترط أن يستنفد القضاء الوطني أولاً، ولا يقدّم ضمانات لحرية وصول ولسلامة الضحايا والشهود، وينيط تعيين القضاة بممثّلي الدول الأطراف، بحسب نظام الكوتا، أي قاضٍ لكل بلد.
وباختصار فإن مشروع المحكمة العربية لحقوق الإنسان هو جهازٌ بيروقراطي آخر يُضاف إلى أجهزة الجامعة العربية، وكون مملكة البحرين هي مقر المحكمة، بما تعيشه من أوضاع متدهورة لحقوق الإنسان ذات دلالة، وهي أن لمؤسسات الجامعة العربية حصصاً موزّعةً على الدول الأطراف النافذة على امتداد يومين، سواء من خلال جلسات أو ورش العمل، فقد تكثفت انتقادات وتصويبات ممثلي المجتمع المدني والخبراء العرب والأجانب، على كل من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والذي يجب أن يمثل المرجعية القانونية. وعلى النظام الداخلي للمحكمة، وآلياتها، وقد تم التوقف على توصيات محددة من تعديلات في الميثاق والنظام من قبل ممثلي المجتمع المدني والخبراء، وحتى من قبل مستشار البرلمان العربي المفترض أنه شريك في الصياغة. وأمام ضغطهم وإصرارهم، جرت صياغتها في جلسة مناقشة البيان الختامي والتوصيات التي رأسها طاهر بوجلال، ممثل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، الشريكة في تنظيم المؤتمر، والتي رأست مؤتمر الدوحة حول تطوير آليات الجامعة العربية لحقوق الإنسان، ويعود إليه وإلى فرج فينش كثير من الفضل، في بلورة هذه التوصيات، والضغط نيابةً عن ممثلي المجتمع المدني والخبراء من أجل موافقة قيادة المؤتمر (جامعة الدول العربية وحكومة البحرين ممثلة بالمؤسسة) على قبول هذه التوصيات ورفعها لجلالة ملك البحرين والأمين العام لجامعة الدول العربية.
وجرى في الجلسة الختامية قراءة كل من البيان الختامي والتوصيات من قبل رئيس المؤسسة عبدالعزيز أبل، وهي معقولةٌ إلى حد ما، خصوصاً الإقرار بأن المسودة الحالية لنظام المحكمة غير نهائي، وبالتالي يتوجب أخذ هذه التوصيات بعين الاعتبار عند صياغة النظام بشكله النهائي، كما يتوجب تعديل الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وربط نظام المحكمة إما كبروتوكول أو ملحق، والنص على مرجعية الميثاق بالنسبة للمحكمة.
ولعل من أهم ما تمخض عنه المؤتمر هو وضع التزامات على مملكة البحرين كونها مقراً للمحكمة، ما يتطلب منها أن ترتقي بأوضاع حقوق الإنسان كما أكد محمد الصبار، وأن تضمن حق المواطنين والمقيمين في البلدان العربية من حرية الوصول إلى المحكمة بيسر، وتوفير الحماية للضحايا والشهود، بما في ذلك من هم في البحرين بالطبع، وقبول الدعاوى حتى تلك التي لم تستنفد في المحاكمة الوطنية.
الفترة الفاصلة بين الآن وانعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب في سبتمبر 2014 بمقر الجامعة، سيظهر عمّا إذا كانت الدول العربية، جادة في إقامة مؤسسة المحكمة العربية لحقوق الإنسان تكون ذات مصداقية وولاية عربية، وذلك بتبني توصيات مؤتمر المنامة، وعمّا إذا كانت مملكة البحرين جادة بالخروج من أزمة حقوق الإنسان في البحرين ومعالجتها جذريّاً، وخلق البيئة المناسبة لعمل المحكمة.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4284 – السبت 31 مايو 2014م الموافق 02 شعبان 1435هـ