منصور الجمري
ليس سهلاً أن يجيب المرء عن سؤال يتكرر «ماذا يتوجب أن نفعله لإخراج البحرين مما تمرّ فيه؟»… فالإجابات الروتينية من هذا الجانب أو ذاك أصبحت معروفة، كما أن توصيات المراقبين ولجنة تقصي الحقائق وأصدقاء البحرين والمفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية والشخصيات الخليجية والعربية، وكل من يودّ رؤية البحرين في حال أفضل قالوا ما لديهم وكرّروه وسمعه الجميع في كل أنحاء العالم، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من تاريخ موثق يصعب تغييره حتى لو تم توظيف العشرات أو حتى المئات من الشركات المتخصصة في العلاقات العامة التي تسعى إلى قلب الصورة عمّا هي عليه.
لعل أحد العوائق الرئيسية لتحريك المياه بصورة إيجابية ومباشرة هي «حالة الإنكار» التي أحكمت سيطرتها على طريقة التعامل مع الأمور. وحالة الإنكار تتمثل في عزل الذات عمّا يجري خارجها، ويتبع ذلك غضّ الطرف، وإغلاق الآذان، وعدم الرغبة في التعرف على تفاصيل الأمور وحقيقتها، ومن ثم توظيف شتى الوسائل والإمكانات لرؤية الأشياء بطريقة محددة ومختلفة عن واقع الأمر وذلك لتسهيل الاستمرار في «حالة الإنكار». وعلى هذا الأساس يمكن للجهات المعنية أن تنكر مسئوليتها عن الاستمرار في ارتكاب الأخطاء ذاتها التي أدّت إلى حدوث الفظائع، ولذا فإن نتائج أو توصيات لجنة أو حتى لجان تقصي حقائق لا تنفع في إخراج الوضع من المأزق. بل على العكس، لأن «حالة الإنكار» لا تؤدي فقط إلى تكرار الأخطاء وإنما أيضاً إلى التخندق والتمترس لإنكار ليس الواقع فقط وإنما إنكار حتى التاريخ القريب والبعيد، وقد يضطر من يعيش «حالة الإنكار» إلى توظيف متوسطي ومنخفضي الذكاء لتغيير الوقائع بطريقة تثير السخرية.
حالة الإنكار ربما تنفع في إقامة سد يمنع هذه الجهة أو تلك من الشعور بالذنب، كما يسهّل ويجمّل عملية التراخي والركون إلى اللامبالاة. وهذا كله يوفر وظائف شاغرة لمن يتعيّش من خلال سرد حكايات وأوهام وتكرارها من أجل تعزيز ثقافة إنكار الواقع، وفي نهاية الأمر، فإن جميع التوصيات والنصائح الداعية لعقلنة الأمور وفهمها على ما هي عليه تذهب هباءً منثوراً… كما أن الداعين إلى التعقل لا يُعدُّ لهم رأي مسموع أو تأثير في مجريات الأمور، وتدخل البلاد في دوّامة من المشكلات التي تغذِّي بعضها الآخر وتزداد مع الأيام بدلاً من أن تقلّ.
إننا بحاجة إلى المساهمة في إيجاد حلٍّ لما نمر فيه من خلال إنهاء «حالة الإنكار» التي تفسح المجال للتسويف والهروب من الحلول، وتدفع نحو مزيد من التعقيدات التي تجعل الوضع العام أقرب إلى حالة من الاكتئاب العام، والمعاناة التي تزداد سلبياً تنعكس على المجتمع والاقتصاد والسياسة ولا يسلم منها أي طرف. لا يكفينا أن نقول بأن البحرين كانت درّة الخليج العربي، بل يجب أن نستمر في تسنُّم هذا الموقع وأن نبذل جهدنا لكي لا تتحوّل بلادنا من «مصدر إلهام للآخرين» إلى وضع «يثير شفقة الآخرين».