قاسم حسين
من حسن حظ الشعب البحريني أن يكتشف مبكراً أن المعارضة البحرينية المكوّنة من خمس أو سبع أو عشر جمعيات، لا تجيد اللغة العربية، إلى درجة أنها أخطأت في فهم معنى كلمة «الحوار»!
والأسوأ من ذلك إننا -كمواطنين- اكتشفنا أن هذه المعارضة التي يبلغ عمر بعضها خمسين عاماً، ولها امتدادات قومية وعروبية ويسارية، قامت وعن قصدٍ مقصودٍ، بالتسويق لكلمة «الحوار» بشكلٍ مغلوطٍ، وغير صحيحٍ، وبطريقةٍ غير ديمقراطيةٍ على الإطلاق.
فليس من الصحيح أن تقبلوا الدعوة للحوار، وتصرّحوا لوسائل الإعلام العربية والأجنبية، ومراسلي القنوات الفضائية، أنكم تقبلون الحوار، هكذا ومن دون مقدمات! فالحوار ليس كما تفهمونه أنتم، وإنما هو مأخوذٌ من كلمة «حار الثوب، أي غسله وبيّضه، والحائر هو المتحيّر، وحوّر القرص: أي أدار العجين وجعله كالدائرة المستديرة ليخبزه، ومحور الأرض: خط مستقيم تدور الأرض حوله فنتوهم أن الكرة السماوية كلها تدور بكاملها عليه»، كما في «المنجد في اللغة» العربية الفصحى!
ثم إن للحوار شروطاً ومقدمات، وواجبات ومستحبات، وليس خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلّوه! وإنّما هو كالخبز، لابد أن يُعجن ويُخمّر ويترك لساعات حتى يحين موعد إدخاله في التنّور، فيخرج حاراً طازجاً مغرياً، وليس أي كلام!
ثم إن الحوار طريقٌ طويلٌ، يبدأ بجلسة نقاش مفتوح في معهد دراسات أكاديمية، حيث يمكن التعرف أولاً على مختلف وجهات النظر والآراء والأفكار الشخصية والانطباعات، حسب القواعد المتبعة في البلدان الديمقراطية العريقة، حتى إذا تعرف الجميع على الجميع، وسمع الجميع آراء الجميع، حينئذٍ يمكن أن تنطلق قاطرة الحوار.
ولكي نصل إلى نتائج مفيدة ومثمرة وذات مغزى، يجب البدء بمناقشة القضايا الخلافية البسيطة المتعلقة بالجانب الثقافي، العالقة منذ القرن الماضي، بدءًا بالخلاف حول قصيدة الشعر الحر والتفعيلة، ثم ننتقل بعدها لمناقشة آخر ما كُتب من نقدٍ بنيوي ما بعد الحداثة، ونقيّم ما أنتجه الروائيون من إبداعات في مجال (ق ق ج). فالطريق صعبٌ ووعرٌ ولكننا سنسير، وليس كما تتوهمون… جلسةٌ واحدةٌ وننتهي إلى مناقشة الدوائر الانتخابية ومساواة أصوات الناخبين!
بعد الانتهاء من الجلسة الأولى التي تجمع جمعياتنا وجمعياتكم، ومندوبينا ومندوبيكم، وممثلينا وممثليكم، يجب إدخال بقية مكونات الشعب البحريني في جولة الحوار الثانية؛ فنحن وأنتم الآن لا نزيد عن 48 في المئة، ولابد أن نشرك الخمسين جاليةً أجنبية في هذا الحوار الجيوبوليتيكي، من أجل الوصول إلى تمثيل حقيقي للشعب باحتساب الطريقة النسبية، وتوزيع عادل للدوائر الانتخابية، ومشاركة جميع السكان والوافدين والمهاجرين لإدماجهم في هذه العملية الديمقراطية العريقة.
إن الديمقراطية الحقيقية تستدعي إشراك كافة مكونات الشعب، وجميع من يعيش على الأرض من وافدين ومهاجرين ومستثمرين، وحتى السيّاح الأجانب الذين يزورون البلد في عطلة نهاية الأسبوع.
فمن حقّ هؤلاء جميعاً، أن يُدلوا بأصواتهم في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية أو بلدية مقبلة؛ وذلك تكريساً للحياة الديمقراطية؛ واحتراماً لحقوق الإنسان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية التي تنادي بها الأمم المتحدة ومنظمة «اليونيسكو» و«اليونيسيف» و«الاونروا»!
الحوار طويل وشاق، لكن لنبدأ زنقة زنقة، بيت بيت، دار دار، فرحلة المليار ميل تبدأ بخطوة!