لم يتغير شيء
هاني الفردان
قيل إن البحرين قبل الإعلان عن تقرير لجنة تقصي الحقائق التي كان يرأسها محمود شريف بسيوني ستكون مختلفة عما بعد الإعلان، وسيكون التقرير خريطة طريق للخروج بالبلد مما هو فيه، وسيكون «الدواء المر» لمن يريد الشفاء، وسيكون طوق النجاة وسفينة العبور إلى بر الأمان وغيرها من الأحلام الوردية.
قيل ستكون هناك صفحة جديدة.
قيل ستتغير الأوضاع إلى الأفضل.
وقيل أيضاً ستتم معالجة الأخطاء، وتصحيح المسار، وزيادة الوعي الحقوقي، وإنصاف المفصولين والمحرومين وضحايا الانتهاكات، ومحاسبة المسئولين.
قيل أيضاً إن الإعلام الرسمي سيتوقف عن التحريض الطائفي، وسيبدأ في معالجة الصدع المذهبي، من خلال لمِّ الشمل وزرع الثقة.
بعد صدور التقرير قيل الكثير الكثير من الأماني الكلامية، التي لم تجد على أرض الواقع إلا السراب منها.
بعد صدور التقرير، التسريحات مستمرة في القطاع العام، ولم يعد أي مفصول إلى عمله، والأوضاع ساءت أكثر فأكثر.
بعد التقرير، مازالت حرية التعبير مقيدة بل تواجه بشدة أكثر من ذي قبل.
بعد التقرير، عادت الأصوات النشاز من جديد لنشر سمومها في كل مكان.
بعد التقرير، لم نشهد شيئاً فعلياً على الأرض سوى لجنة وطنية مختلف عليها، خلصت في اول اجتماعاتها لتشكيل ثلاث لجان بداخلها أيضاً، وتوافقت على «اعتماد أسلوب التوافق على مدى تلبية التوصيات، والرجوع إلى لجنة تقصي الحقائق في حال الاختلاف على أي من التوصيات، وذلك بهدف التوضيح من جانبها فيما إذا تم تلبية ما جاء في الوصية»، وهو أمر مخيف قد يهدد جوهر توصيات التقرير.
الأزمة تشتد وفرصة التغيير تضيع، وأمل الخروج من النفق المظلم يتبدد.
قضية المفصولين مازالت عالقة دون حل، وما هو موجود من ردود رسمية أرقام مغلوطة يراد منها فقط تضليل الرأي العالم العالمي والمنظمات الدولية، وحصر التسريحات في القطاع الخاص، وكأن الدولة لم تفصل أحداً، ولا هي معنية بما يحدث.
الاعتراف بالأخطاء بداية المشوار ولن يكون النهاية، ومن اعترف بأخطائه عليه أن يكمل مشواره نحو التصحيح.
بصدق لم يتغير شيء عما قبل، وتقرير بسيوني الذي لم يجف حبره بعد، بقي كما هو حبراً على ورق، وحتى الورق غير كامل فالنسخة العربية سحبتها اللجنة لكثرة أخطائها.
ألم يكن موعد التغيير المرتقب في الثالث والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني؟ إذاً، ما الذي حدث وأخـَّر التغيير؟
الأمر الذي عطل التغيير بعد تقرير بسيوني، هو عدم تفعيل توصياته بشكل مباشر، بقاء الأشخاص المسئولين عما حدث في مواقعهم، واستمرار العمل بالوتيرة السابقة ذاتها بل أشد منها.
ما لم يستوعبه الكثيرون أن تقرير بسيوني لن يكون فقط للتسويق الإعلامي، بل أصبح وثيقة حقوقية سجلت انتهاكات طالما كذبتها السلطة ونفتها.
ومع كل ما جاء في تقرير بسيوني فإنه حتى الآن لم يتغير شيء، وما نحتاجه هو أن نتلمس التغيير الحقيقي، بعيدا عن الحالة الكلامية والإعلامية، للدخول في مجال التطبيق الذي يبدأ أولاً بعودة جميع المفصولين إلى أعمالهم وتعويضهم ومحاسبة المسئولين عن قطع أرزاقهم، والإفراج عن جميع المعتقلين
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3381 – السبت 10 ديسمبر 2011م الموافق 15 محرم 1433هـ