الدكتور غالب الفريجات
باتت شعارات الحراك الشعبي قاب قوسين او ادنى من رفع الشعار الاخير والنهائي في المطالبات الشعبية، وهو ما يفصل بين مرحلتين مرحلة الاكتفاء بالمطالبة بالاصلاح في ظل النظام السياسي القائم، ومرحلة المطالبة بالتغيير، وهو ما يعني وصول الحراك الشعبي الى حالة الاحباط من تحقيق الشعار الاول، شعار المطالبة بالاصلاح، والعمل على رفع شعار الشعب يريد تغيير النظام، عندها ستكون المواجهة في الشارع بين الذين فقدوا الامل في الاصلاح، واضطروا للتقدم خطوة اكثر تجذراً، وارتفاع سقف المطالبة مع ازلام النظام والمنتفعين منه، والمرتزقة، من ضمن هؤلاء الاجهزة الامنية/المخابرات وبطانة النظام، وقوى الشد العكسي، وهؤلاء جميعاً نفسهم قصير، اي ليس في مقدورهم الصمود في وجه حركة شعبية عارمة، لن يثنيها لا الاعتقالات، ولا العقوبات الاقتصادية، ولا حتى شلال الدم الذي يمكن ان يلجأ اليه النظام، وهو طريق ليست معبدة امام النظام السياسي، لان تجارب ما اطلق عليه بالربيع العربي في دور المؤسسة العسكرية لم تكن في صالح نظام حسني مبارك ولا زين العابدين.
الحراك الشعبي في جميع المدن مازال متعقلاً، ولم يخرج عن الاسلوب السلمي الديمقراطي،ولكن في ضوء محاربة الناس في ارزاقها وحرمانها من لقمة العيش، في ظل الفقر والبطالة، وفقدان الكرامة الانسانية، بسبب الممارسات القمعية لاجهزة النظام، والتي باتت تتأبط شراً في افتعال الازمات، وحدة المصادمات مع شباب الحراك الاجتماعي، لن تصل بالمطالبين بالاصلاح الا الى حالة الاحباط واليأس، من كل ما قاموا به على امتداد عام كامل من نزولهم الى الشارع، وهو ما يفضي الى ان تعمد الحركات الشعبية على انتهاج اسلوب نزع الحقوق من ايدي جلاوزة السلطة، وبشكل خاص الوصول الى تقليم اظافر اجهزة الامن، التي لم تعد ترعى ذمة ولا ضمير في حق الوطن والمواطنين، والعمل على اعداد برنامج للتغيير الجذري، لانه مامن حركة شعبية الا ببرنامج جماهيري يعمل على اعادة حقوق الجماهير المهدورة، والقصاص من هؤلاء الذين سرقوا البلاد وجوّعوا العباد.
الحراك الشعبي في الطفيلة مشهود له بأن شعاراته اعلى سقفاً من سقوف المحافظات الاخرى، وان ما يجري في الطفيلة سيكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، وان الحراك هناك ملتهب جداً، نظراً للاوضاع غير الطبيعية في مجتمع هذه المحافظة المنسية، والمحرومة من جميع الخدمات وبرامج التنمية، الى جانب حجم التأييد والتضامن من الحراك الشعبي في المدن الاردنية الاخرى لما يجري في شوارع الطفيلة، وحالة اللقاء بين كل الحراكات الشعبية في الوطن، والتي قد تفضي الى برنامج شعبي موحد يضم كل اطياف الشعب الاردني، لان الشعارات المرفوعة في جميع مواقع الحراك الشعبي تؤكد على وحدة النضال في الشارع.
ليس غريباً ان تواجه كل الحكومات الاردنية التي شكلت في ظل الحراك الشعبي بالرفض ـ ثلاث حكومات ـ الرفاعي والبخيت والخصاونة ـ لان هذه الحكومات لا حول لها ولا قوة ـ ولا تستطيع ان تقوم بواجباتها الملقاة على عاتقها ـ على الرغم انها صاحبة الولاية في ادارة شؤون الدولة ـ نظراً لان اياديها مكبلة بفعل الاوامر الامنية القمعية ـ ولانها لا تملك الارادة في الاصلاح، مما يعني ان اي حكومة اردنية لن تكون قادرة على تحقيق الامن والسلم في الشارع، مادامت الكلمة الاولى في اتخاذ القرار يخرج من تحت جلباب الجهاز الامني القمعي.
من الملاحظ ان سطوة الجهاز الامني قد فاقت توجهات اية حكومة، لانه في ظل الاوضاع السائدة الفقر والجوع والبطالة، وفقدان الكرامة والفساد، لابد من اسلوب التهدئة مع الحراك الشعبي، ويجب تشنج اي صدام، ودون ان تكون هناك اية ممارسات تشنجية من قبل اجهزة النظام، مع وجود حكام اداريين يملكون صلاحية اتخاذ القرار، ويتمتعون بالحكمة، لا بالاسلوب العسكرتاري، الذي لا يمكن له ان ينجح، لان اي لغة تتجاوز لغة الحوار لن تكون في صالح الوطن والمواطنين، كما ان النظام السياسي هو الخاسر الاول والاكبر في غياب لغة الحوار.
الملاحظ ان اجهزة النظام تسعى الى الصدام مع الشارع، ضاربة بعرض الحائط مصلحة النظام، او ما يمكن ان تفضي اليه ممارساتهم، في دفع الحراك الشعبي ان يرفع الشعار الاخير الذي تحدثنا عنه، ولو ان هذه الاجهزة تملك من الرؤيا والعقلانية لما قامت كل يوم بالتضييق على حرية المواطنين، وتعكير صفو معيشتهم، وافتعال الازمات، واعتقال العديد من شباب الحراك، وهو ما نلاحظه في تعمد الصدام مع شباب الحراك في الطفيلة، الى حد اعتقال العديد منهم تحت يافطة تهم باتت سخيفة ومضحكة، لانها من فبركات اقبيتهم.
مشكلة الوطن والمواطنين تكمن في ممارسات مؤسستين، هما مؤسسة الديوان ومؤسسة المخابرات، فكلاهما تعمل في الاتجاه المعاكس لمصلحة النظام، وفيما يبدو ان النظام نفسه يجهل حجم التآمر عليه من هاتين المؤسستين، وفيما نراه ان الواقع يؤكد على عمل هذه المؤسسات بالاتجاه المعاكس لمصلحة النظام، بعيداً عن توجهات رأس النظام نفسه، فكيف نفسر ان رأس النظام يقوم بالعفو عمن حرق صورته في مادبا، ويتم اطلاق من طالب بالنظام الجمهوري، وباقل من اسبوع تقوم الاجهزة على اعتقال شباب الحراك في الطفيلة بتهمة اطالة اللسان.
ليس هناك من تفسير للاقدام على اعتقال شباب الحراك في الطفيلة الا اسلوب التحدي، لمواجهة الحراك الشعبي في عموم الوطن من قبل الاجهزة الامنية، ولتكن البداية مع اكثر الساحات اشتعالاً ـ الطفيلة ـ متوهمين انهم اذا استطاعوا ان يكسروا قوة الحراك في الطفيلة يسهل عليهم التعامل مع بقية مناطق الحراك، ناسين وبغباء واضح ان هذا الاسلوب لن يجدي مع ابناء الطفيلة، الذين تنادو للدفاع عن الشباب المعتقلين، حاشدين كل جهودهم، وفي جميع مواقع تواجدهم لنصرة هؤلاء الشباب المتميزين في وطنيتهم واخلاقهم، كما بدا واضحاً من البيان الذي اصدره حراك ابناء الطفيلة في عمان ومعهم كل ابناء الوطن.
اعطوا الناس حقوقهم من توفير فرص العمل، وتوفير لقمة العيش، فالجوع كافر، كما ان الانسان لا يحيا بالخبز وحده، فالكرامة جذرية في حياة الانسان، وتفرغوا لمحاربة الفساد والمفسدين، بدلاً من التواطؤ معهم في نهب الوطن وسلب مقدراته، وابتعدوا عن تبني الجبناء والضعفاء، فالمواطنون سواسية، ولا يجوز ان يكون هناك مواطنون هم من كتبة التقارير، ورعايا هم من يسهر على الوطن ويحمي مكتسباته.
الحرية لشباب الحراك في الطفيلة، والخزي والعار لمن يعبث في امن الوطن ويحمي لصوصه.
شبكة البصرة