هاني الفردان
منذ فترة طويلة والناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتفنن في نشر صورة لرجال أمن أو مدنيين سواء كانوا ملثمين أم غير ذلك وهم يأتون منازل المواطنين من أسوارها وليس أبوابها.
منذ فترة طويلة، ونحن نشهد تلك الصور؛ رجال امن يتسلقون الأسوار، أو يقفزون من على الجدران، أو يتسللون للمنازل من أسطحها، أو يقتحمون البيوت من غير أبوابها، وليس بإذن صاحبها.
وزارة الداخلية طوال تلك الفترة الطويلة، وقبل تقرير لجنة تقصي الحقائق، وبعد ذلك التقرير لم تحقق أو حتى تعلق على تلك الأعمال، ولم تفسرها أو حتى تبررها.
في كل يوم نشهد تلك الصور، في دولة القانون والمؤسسات، والتي يحظر فيها دخول المنازل، إلا من أبوابها، وبإذن قضائي مسبق، وبعلم اصحابها، ولا نعلم هل يمتلك رجال الأمن إذناً قضائياً يخوِّل لهم تسلق الجدران وأسوار المنازل؟!
في جانب آخر، طالعتنا وزارة الداخلية بتصريح على لسان مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية بأنه أثناء مرور إحدى الدوريات لتفقد الحالة الأمنية في منطقة البلاد القديم رصدت وجود كاميرات مراقبة مثبتة على جدار أحد المنازل، حيث قامت بإزالة هذه الكاميرات والتحفظ عليها لكونها من المرجح أنها تهدف إلى مراقبة ورصد تحركات الدوريات الأمنية المستهدفة من الأعمال الإرهابية، الأمر الذي يتسبب في إعاقة سير العمل ويخل بالوضع الأمني.
ولنا في تلك الواقعة التي شاهدها الجميع عبر تصوير مسجل انتشر بسرعة، أن نطرح الكثير من الأسئلة على الجهات الأمنية، وخصوصاً أنها أكدت وشجعت على استخدام كاميرات المراقبة في المنازل والمنشآت الخاصة، على أن ينحصر دورها «في تأمين هذه الأماكن ولا يتعدى حدودها إلى مراقبة الطرق العامة وانتهاك الحريات الخاصة للآخرين».
ولكن في حالة خالف أصحاب بعض المنازل ذلك الشرط أو أي شروط أخرى، فما هو الإجراء المتبع، هل تقوم الوزارة والأجهزة الأمنية بإزالتها من دون علم صاحب المنزل؟ ومن دون إشعاره وإبلاغه حتى بنوع مخالفته؟ أو تسور أسوار منازلهم، ودخولها خلسة!
في الجانب الآخر، من هو الشخص المنوط به تنفيذ وإنفاذ القانون، هل هو ذلك الرجل الذي يرتدي الزي العسكري المتعارف عليه، والذي يقود سيارة الشرطة، والذي يحمل على صدره اسمه ورقمه العسكري؟ أم ذلك الرجل الملثم الذي يلبس لباسا مدنيا، ويرتدي قفازات في يده، ويقود سيارة مدنية، ومعه مجموعة من أصدقائه، ويسير قلقا مترددا، يلتفت يميناً وشمالاً؟
في دولة القانون رجل الأمن يكون واثق الخطى، يسير وبيده عصى القانون، ليطبقه على الجميع، وفي عكس ذلك فإن القانون بلا هيبة، وتختلط فيه الأوراق، ولا يمكن للإنسان العادي أن يميز بين الشرطي أو الحرامي، وبين الملتزم بالقانون ومخالفه، وبين من يطبقه أو يتجاوزه.
هل من ينفذ القانون، خائف، متردد، متلثم، بلباس مدني، لا يفرق بينه وبين المجرمين؟ وهل من ينفذ القانون يخالفه؟!
كيف يمكن للمواطن العادي أن يفرق بين هذا الذي ينفذ القانون من رجال الأمن، والمجرم الذي يعتدي على ممتلكات الآخرين، ماذا لو حدثت مناوشات بين أهالي المنطقة وهؤلاء الأفراد ووقعت إصابات، وهل سيتهم المواطن بالاعتداء على رجل أمن «متخفٍ» أو «ملثم» أو مخبر سري تسلق جدران منزله؟!
ينص الدستور في مادته (25) على أن «للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها إلا استثناء في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه».
والسؤال، هل دخول المنازل من أسوارها، وهل الاعتداء على ممتلكات الآخرين، هو الاستثناء الذي نص عليه القانون؟ هل القانون قال ان تسوَّر أسوار منازل المواطنين هو الكيفية المنصوص عليها والتي تحدث عنها الدستور؟
نص المرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية، بوضوح في بابه الرابع المخصّص لـ «دخول المنازل وتفتيشها وتفتيش الأشخاص»، المادة (65) «لا يجوز لأفراد السلطة العامة الدخول في أي محل مسكون إلا في الأحوال المبينة في القانون، أو في حالة طلب المساعدة من الداخل أو في حالة الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك».
وتنص المادة (70) على انه «يحصل التفتيش بحضور المتهم أو من ينيبه عنه، وإلا جرى بحضور شاهدين كلما أمكن ذلك، ويكون هذان الشاهدان بقدر الإمكان من أقاربه البالغين أو من القاطنين معه بالمنزل أو من الجيران، ويثبت ذلك في المحضر». فهل هناك محاضر تفتيش جرت للمداهمات التي جرت في مناطق البحرين من قبل الأجهزة الأمنية؟
تقرير «بسيوني» في الفقرة (1172) اتهم الأجهزة الأمنية بـ «القيام بشكل منهجي باقتحام المنازل للقبض على بعض الأفراد، الأمر الذي أدى إلى ترويع ساكني هذه المنازل، حيث قامت قوات الأمن بشكل متعمد بتحطيم الأبواب واقتحام المنازل عنوة وفي بعض الأحيان سلبها. كذلك، هناك مزاعم بأن هذا السلوك قد صاحبه سباب وإهانات لفظية طائفية، وفي أحيان كثيرة على مرأىً ومسمعٍ من النساء والأطفال وأفراد الأسرة. وفي العديد من الحالات المسجلة طُلب من النساء الوقوف بملابس النوم التي لم تستر أجسادهن بما يكفي، الأمر الذي مثّل إهانة لهن وللأطفال ولأزواجهن المقبوض عليهم وأقاربهن. كذلك، يشكل هذا السلوك انتهاكاً للممارسات الإسلامية».
بعد عامين، المشاهد ذاتها تتكرر، بل زادت سوءاً، ويبقى السؤال إلى المسئولين في وزارة الداخلية، ماذا تغير قبل وبعد تقرير لجنة تقصي الحقائق؟ وهل تسوُّر رجال الأمن أو «الملثمين» من المدنيين أسوار المنازل إجراء قانوني؟