قبل يومين، خرج في يوم واحد تصريحان ملفتان للنظر، من السودان ومن العراق.
في السودان، اعلنت الحركة الشعبية، ولاول مرة علنا، انها سوف تدعو سكان جنوب السودان الى التصويت لصالح خيار الانفصال في الاستفتاء القادم.
وفي العراق، طالب مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في مؤتمر الحزب بـ "منح الاكراد حق تقرير المصير". واعتبر ان هذا سيكون هو محور "كفاح" الحزب في الفترة القادمة.
ومع ان بارزاني لم يوضح ما الذي يعنيه حق تقرير المصير بالضبط، فان المفهوم طبعا انها دعوة للانفصال التام عن العراق. ولهذا كان حريصا على ان يشير الى ان الاكراد سيؤيدون باقي سكان المحافظات في "اقامة اقاليم خاصة بهم". هي اذن دعوة صريحة لتقسيم العراق.
ومع ان الوضع في العراق يختلف بالطبع عن الوضع في السودان، الا ان القاسم المشترك هنا كما نرى هو اصوات الانفصال والتقسيم مثل هذه التي شهدناها، تعلو وترتفع.
لنلاحظ هنا بداية، على الرغم من الاوضاع التي نعرفها في السودان وفي العراق، فان التبريرات التي تم تقديمها لدعوات الانفصال والتقسيم هذه لا يمكن قبولها، ولا يمكن لأحد ان يزعم ان هذه الدعوات تصب في اطار أي مص وطنية في البلدين.
 في السودان، بررت الجبهة الشعبية دعوتها بالقول بأنه "لم يتم العمل على جعل الوحدة جاذبة". وحتى ان كان هذا صحيحا، ولم تبذل بالفعل جهود من اجل جعل الوحدة جاذبة، فلا يمكن ان يكون هذا في حد ذاته سببا لتقسيم السودان.

وفي العراق، برر برزاني دعوته بأن هذا "حق للأكراد". ايضا واخذا في الاعتبار أن المنطقة الكردية تتمتع بالفعل بوضع خاص منذ سنوات طويلة، فلا يمكن اعتبار تقسيم العراق "حقا" لمكونات الشعب العراقي

إذاكانت مثل هذه التبريرات غير مقبولة، فلماذا اذن ترتفع اصوات الانفصال والتقسيم على هذا النحو؟

الاجابة عن السؤال لا تتعلق فقط بالأوضاع الخاصة في السودان وفي العراق على النحو الذي نعرفه جميعا وانما بأوضاع عربية عامة

اولا: نحن ازاء مشاريع وخطط لقوى اجنبية تسعى الى تمزيق وتقسيم الدول العربية. وهي كما نعلم خطط ليست جديدة، بل هي معروفة ومعلنة منذ سنوات طويلة.
هذه القوى الاجنبية، ووفقا لخططها هذه، يهمها جدا اثارة الصراعات الطائفية في دولنا العربية. فهذه الفتن الطائفية هي الحاضنة الطبيعية لدعوات الانفصال والتقسيم.
وهذه القوى الاجنبية ترعى وتحتضن وتدعم كل القوى الداعية للانفصال والتقسيم بصور شتى معروفة.

بعبارة اخرى، نحن ازاء نظام عربي يعجز عن مواجهة الاخطار والتهديدات التي تتهدد دولنا العربية، بما فيها تلك الاخطار المتعلقة بخطط اثارة الفتن ودعوات التقسيم والانفصال.
اذن، في ظل هذه الاوضاع العامة التي اشرنا اليها بأشد ما يكون الاختصار، نستطيع ان نفهم لماذا تعلو اصوات الانفصال والتقسيم هكذا دون رادع على الرغم من فداحة وخطورة ما تدعو اليه.
الكارثة هنا ان هذه الاوضاع لو استمرت، فان مثل هذه الدعوات سوف تمتد لتطال اغلب الدول العربية، ولن تقف اخطار تقسيم دولنا عند حدود السودان او العراق.