عيسى سيار
يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في أحد مواقفه الشجاعة التي تدلّ على الكثير من الحكمة والبلاغة والحصافة وبعد النظر: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته». هذه المقولة ذات العمق في المعنى والدلالات تحتاج ربما إلى كتاب أو ربما كتب في علم السياسة والاجتماع والاقتصاد لشرحها وتحليلها، ولكن باختصار شديد جداً لدلالتها هو ان الإمام علياً رضي الله عنه يقول لكل من يعنيه الأمر بما معناه: ان الفقر هو المدخل والسبب الرئيسي للفوضى المجتمعية والمتمثلة في التفكك الأسري والفساد وانتشار الرشوة والبغاء والتسيب الوظيفي وضياع الشباب… وبالتالي انهيار المجتمع ومؤسساته. وعكس ذلك فإن العيش الكريم للإنسان يجنب المجتمع الفوضى والاضمحلال.
أتعلمون ان سبب الثورات التي حدثت في الغرب والشرق وكان آخرها الربيع العربي هو ما كان يعنيه الإمام علي رضوان الله عليه من مقولته المأثورة.
يتوجب على الجميع، وبالذات من يعنيه الأمر في البحرين، أن يقف وقفة جادة أمام ما قاله سيدنا علي رضي الله عنه من حيث الأسباب والدلالات والتوقيت الذي قيلت فيه تلك العبارة، ويربط ذلك بموقف الحكومة الرافض لتحسين أوضاع شعب البحرين المعيشية من جهة وتقاعس «نواب الشعب» عن الضغط الفعال على الحكومة من خلال عدم استخدامهم للأدوات البرلمانية المتاحة لهم لمساءلة ومحاسبة الحكومة على رفضها، بل لامبالاتها بأوضاع المواطنين المعيشية المتردية من جهة أخرى! وعلى من يعنيه الأمر أن يقرأ جيداً من بين وخلف وفوق وتحت السطور قبل خراب البصرة!
إنني لن أدخل في حسابات اقتصادية بشأن أسباب رفض الحكومة لتحسين أوضاع المواطنين المعيشية والتي نسبها وزير المالية في اجتماعه مؤخراً مع النواب الأشاوس إلى العجز المالي! الذي سوف تصاب به موازنة الدولة ويجر ذلك الويلات على البلاد والعباد، لأن هذا ليس مجاله هنا، ولأن مسألة العجز المالي مقابل تحسين الأوضاع المعيشية تحتاج إلى دراسات معمقة والحكومة لا تملك تلك الدراسات وليس عندها الإرادة للقيام بذلك، وهو – أي العجز – نتاج لسياسات خاطئة، لأن سياسات الحكومة وكما تعلمون عبارة عن ردة فعل وليس الفعل نفسه!
أضف إلى ذلك أن المواطن البحريني وهو الذي يهمنا أمره هنا والذي يسمع ويقرأ يومياً عن ملايين الدنانير التي تتطاير من فوق رأسه والتي تصرف على الحفلات والدورات والمهرجانات والسباقات والقائمة تطول… كيف تريدونه أن يصدّق ذلك! كيف تريدون المواطن أن يصدّق والبحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي بها ثلاثون وزيراً، ومع الأسف ليس لديّ إحصائية عن المستشارين، وكل وزير يتم إعفاؤه لهذا السبب أو ذاك يصبح مستشاراً أو سفيراً «والحسّابة تحسب»!
كيف تريدون المواطن تصديقكم بالنسبة للعجز وهو لايزال يتساءل عن مصير أكثر من ستين، نعم أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً من المخزون الاستراتيجي لأراضي البحرين التي وُزّعت على عددٍ من المتنفّذين لا يتجاوز أصابع اليدين وربما اليد الواحدة. اسألوا رئيس مجلس النواب ونواب الشعب المغاوير عن مصير التقرير البرلماني الذي كشف عن المستور في نهاية العام 2010!
كيف تريدون المواطن أن يصدّقكم بعد أن يقرأ في الصحافة والمواقع الالكترونية وعلى مدى السنوات العشر الماضية من عمر المشروع الإصلاحي ما تتضمنه تقارير ديوان الرقابة الإدارية والمالية العتيدة من مخالفات قانونية وتجاوزات إدارية ومالية يشيب لها شعر الوليد دون أن يُتخذ أي إجراء قانوني رادع لمن أهدر المال العام واستولى عليه من غير وجه حق.
هل تريدون أن يصدّقكم بعد أن عرف حجم الفروق في سعر البترول والفائض من دخل البترول ومشتقاته والتي تزيد على 500 مليون دينار! هل تريدون أن يصدّقكم بعد أن عرف ما عرف عن الفساد في شركة ألبا وطيران الخليج ومستشفى الملك حمد…إلخ. هل تريدون أن يصدّقكم بعد أن عرف كل هذا بأن موازنة الدولة تعاني من عجز، وفوق كل هذا وذاك هل تريدونه أن يصدّق بأن البحرين دولة محدودة الموارد كما يُروّج لذلك! ضعوا يا سادة قلماً وورقةً واحسبوا الملايين من المال العام التي أكلها الفساد والهدر، حتى طفل الروضة سوف يعمل «الحسبه»! وبعدها تعالوا لنتكلم عن العجز.
لا ومليون لا. المواطن لن يصدّقكم، ومصداقاً لما قلت أدعو الوزراء للنزول من برجهم العاجي والتوجه إلى أهل الديرة البسطاء وليس إلى المنافقين وجماعة «البطاقات المدفوعة الأجر سلفاً» وهم كثر هذه الأيام والعياذ بالله، والتحدّث مع أهل الديرة مباشرةً وسوف يعرفون الحقيقة المرّة عن أوضاعهم وكيف يعيشون وماذا يأكلون. ودعوني أذكّركم بزيارة سمو ولي العهد قبل نحو عقد من الزمان إلى قرية المقشع، أتذكرون فحوى ما قال سموه: لم يكن يتوقع أن يكون في البحرين ما رآه في قرية المقشع! وللعلم ما هو موجودٌ في المقشع موجودٌ في البسيتين القديمة وكرانة والحالة ومهزّة والبديع وبوصيبع وفرجان المحرق وأينما تولي وجهك في البحرين. واسألوا وزارة التنمية والجمعيات الخيرية عن قوائم الأسر المعوزة التي تتسلم مساعدات، والأسر التي على قائمة الانتظار إن كنتم لا تعلمون.
إن البحرين ليست دولة محدودة الموارد كما يُشاع عنها عمداً. البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة ذات مصادر الدخل المتعدّدة، واسألوا خبراء الاقتصاد واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «اسكو» التابعة للأمم المتحدة. أكاد أجزم بأن حكومة البحرين قادرة إن أرادت بما تملكه من موارد ومصادر دخل ودون «مارشالات»، أن تحقّق العيش الكريم للمواطن، ولكن في ظل سوء التخطيط وعدم المبالاة باحتياجات المواطنين وسوء إدارة المال العام والهدر غير المبرّر له والاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة كما عرضته تقارير ديوان الرقابة التسعة العتيدة وفي مجلس نواب لا حول له ولا قوة، يبدو أن الأيام الجميلة لن يراها أو يعيشها المواطن في الدنيا، ربما بعد مماته.
إن شعب البحرين الأبي الذي التحم مع الحكم في المنعطفات التاريخية ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر تصويته بالإجماع على عروبة البحرين واستقلالها ضد الأطماع الإيرانية في العام 1970 وتصويته بشبه إجماع على ميثاق العمل الوطني واحتفاؤه غير المسبوق والاستثنائي بالملك في سترة والمحرق مع تدشين المشروع الإصلاحي، يستحق أن يعيش مرفوع الرأس وليس مكسور الظهر! بل يتوجب أن يقام له نصب تذكاري في أحد المناطق الحيوية في البحرين تكريماً له. هذا الشعب الكريم لن يقبل بالمكرمات وفتات الموائد بعد الآن، وهو يطالب بأبسط حقوقه المشروعة في التوزيع العادل للثروات والعيش الكريم. وحذار ثم حذار من الاستهانة بإرادة الشعوب وغضبها عندما تكون في وضعٍ ليس لديها ما تخسره.
الحكام في بلدان الربيع العربي لم تنفعهم أموالهم ولا جيوشهم ولا أجهزتهم الأمنية القمعية التي لا تحصى أمام انتفاضة الشعوب ضد الذل والقهر والفقر. فمقولة سيدنا علي رضي الله عنه لم يقلها من فراغ بل أطلقها للتحذير والتنوير والاتعاظ. واسمحوا لي على الإطالة، فالشعب البحريني يستحق منا الكثير ولو كتبنا عن معاناته سوف نحتاج إلى مجلدات وليس الى مقال فقط… فمن يرفع الشراع؟