هاني الفردان
الحوار في نسخته الثانية، يسير بخطى واثقة نحو الفشل، وإصدار شهادة وفاته، كونه دخل منذ أن أعلنت المعارضة تعليقها المشاركة فيه مرحلة «الموت السريري».
المعارضة، رأت تعليق مشاركتها في الحوار لأسباب تعتقد أنها جوهرية، ومنها أن «الحوار لم يقم على أسس واضحة ورغبة من السلطة بضرورة التوصل إلى تسوية دائمة تجنب بلادنا ويلات الاصطفافات الطائفية التي تغذّيها أطرافٌ في الدولة وتسعى إلى تقسيم المجتمع على أساس طائفي ومذهبي، وإحداث الشرخ بين مكونات المجتمع البحريني، مع تزايد حجم الانتهاكات».
في الحقيقة، أن السلطة لم تكن ترغب في الحوار، بل فُرض عليها فرضاً، إذ أكّد ذلك وزير الخارجية في مقابلته مع صحيفة «الحياة» أن «جميع دول العالم تقول للبحرين نحن نريد حواراً جدياً»، من الدول الحليفة والصديقة والشقيقة، حتى الدولة الجارة «العدوة الصديقة» إيران قالت له «نُريدُ حواراً جاداً».
الحكومة جاءت بالحوار، من أجل الاستهلاك الإعلامي وتخفيف الضغط الدولي والاستجابة لكلمة «نُريدُ»، وتحاشت مسألة أن يكون جاداً، وليس شرطاً أن يخرج البلاد من أزمته، المهم أن يكون هناك حوار! ومن أهم ميزات هذا الحوار، أنه منع زيارة مقرر التعذيب التابع للأمم المتحدة للبحرين بدواعي «عدم الإضرار بفرص نجاح الحوار»، أو السيادة والاستقلالية التي أسقطها جهاد الخازن في مقالاته الأخيرة في صحيفة «الحياة» عن البحرين.
يبقى السؤال، مع من تحاور السلطة، ولماذا لازالت السلطة مصرّةً على المضي في الحوار، رغم علمها بأن المعارضة لن تعود إليه؟ ولماذا تصر على الحوار رغم اتهامها المعارضة مرةً بـ«الإرهاب»، ومرةً بالدعم والتحريض على الإرهاب، وأخرى بالخيانة والعمالة.
إذا كانت السلطة ترى أن الهدف الأساسي من طاولة الحوار التوصل إلى توافق وطني حول النقاط محل النقاش والمداولة، فمن هم هؤلاء الذين يمكن الجلوس معهم لمناقشة القضايا الوطنية والوصول معهم إلى توافقات وطنية؟
بالتأكيد، من يتم الحوار معهم، يجب أن يكونوا وطنيين، يحملون مطالب سياسية أو حتى معيشية، ولا يحملون أجندات خارجية.
السلطة في توصيفها للأزمة البحرينية فإنها تؤكد على أنها ليست «سياسية»، وبعد أن وجدت أن خيار «الطائفية» أربكها وأتعبها ونقلها إلى أبعاد إقليمية ودولية، لجأت إلى التوصيف «الإرهابي»، وترفض أي حديث عن أزمة سياسية!
السلطة تؤكّد بأن ما يحدث في البحرين محاولات لعرقلة التنمية والتطور الاقتصادي تحت دعوى وذرائع زائفة، وتنفيذاً لمخطّطات خارجية، مشدّدةً على أن ما يحدث في البحرين لا علاقة له بالديمقراطية أو مطالب سياسية أو معيشية أو إسكانية أو صحية أو خدمية، بل هو تخريب متعمد سينتهي بالفشل.
وقبل أن نجيب على سؤالنا السابق: مع من الحوار؟ كان لابد من الجواب على سؤال: لماذا الحوار أصلاً، في ظل عدم وجود مطالب سياسية أو معيشية أو إسكانية أو صحية أو خدمية؟ فإذا أجبنا على هذا السؤال، سنفهم مع من يكون الحوار؟
المعارضة في البحرين، متهمةٌ بدعم الإرهاب، والعمالة للخارج، ولا تملك أية مطالب، والفريق الموالي، لا يحمل مطالب وجُبل على قول كلمة «سمعاً وطاعة».
لماذا إذاً توجد طاولةٌ للحوار؟ من وجهة نظر السلطة، فإن البحرين عبر تاريخها انتهجت الحوار كمبدأ أساسي من أجل إتاحة المجال للجميع للمساهمة في صياغة المستقبل، والشعب جبل عليه من دون طاولات، ولا ممثلين، ولا تصريحات، ولا مرئيات، ولا جداول أعمال ولا كل تلك الخرافات.
قبل عام كان الحديث عن خونة، وتساءلنا في ذلك الوقت لماذا الحوار مع الخونة، والعملاء؟
اليوم الحديث عن إرهابيين ومحرضين على الإرهاب، وداعمين للإرهاب، ومموّلين للإرهاب، والسؤال يعيد نفسه: لماذا الحوار معهم، إذا كانت كل هذه الأوصاف فيهم؟ فلماذا يتم «استجداؤهم» للعودة إلى الطاولة من جديد؟
متناقضاتٌ لا يمكن أن تجتمع، ومع ذلك تتمسك السلطة بالمضي في الحوار، واتهامها في ذات الوقت لمن تريد الحوار والتفاهم والتوصل معه إلى توافق… بـ«الإرهاب» والعمالة والخيانة!
فالحقيقة الواضحة، أن ما يحدث هو مخطط مرسوم في التناقض والتصادم، وهي السياسة التي تقوم على أساس، قُل لكل من يريد منك شيئاً ما يرضيه، فالكلام بلا مقابل غير مكلف في السياسة، وما هو إلا خطوط للتقدم والرجوع في حال حدوث أية إرباكات سياسية غير متوقعة. وما هي إلا أحاديث يمكن التبرؤ منها بسرعة أو التمسك بها بقوة، متى ما تطلبت الأمور ومستجدات السياسة.
كل ذلك يؤكد أن الحوار الحالي ما هو إلا جزء من معركة إعلامية، يكون الخاسر فيها من يعلن انسحابه أولاً منها.