هاني الفردان
لسان حال السلطة ومواليها بشأن رؤيتهم لشكل أي معارضة تقوم على أرض هذا الوطن، يجب أن تكون وفق شروط ومعايير يرونها هم «منطقية»، فيجب أن تكون أولاً المعارضة «مطيعة»، «مهادنة»، «متعاونة».
مفهوم «الاعتدال» لديهم في جانب المعارضة، هي أن لا تخرج أبداً عن الطريق الذي ترسمه السلطة لها، فكيف ستعارض المعارضة السلطة التي يجب أن تحدّد أطر وتحركات تلك المعارضة، والتي سترسم لها «الخطوط الحمراء» التي لا يمكن أن تعارضها أو تتجاوزها، والتي ستغدق عليها بالعطايا والمكافآت والتعيينات من المال العام.
لسان حال الموالين للسلطة يقول بأنه لا أحد يريد من المعارضة أن تتخلى عن مواقفها، ولا عن مطالبها، ولا عن مبادئها وقيمها وأهدافها وطموحاتها، وبرامجها وأجنداتها السياسية، ولكن لا أحد يريد أيضاً لهذه المعارضة أن تقفز عن السقف الموضوع لها، فيجب أن تعارض في إطار المشاريع «الخدماتية» كما هي معارضة «التكوينات السياسية الأخرى». وأن لا تعارض في الأفق السياسي، يجب أن تعارض فقط ضمن ما هو مسموح لها به، وأن لا تقفز إلى ما هو أبعد من ذلك، أو تحلم بإدارة أو تشكيل وزارة مثلاً، فهذه الأحلام ليست معارضة بل هي «خيانة» و«عمالة» و«كفر»!
يجب أن تكون المعارضة في البحرين بحسب الموالين، كما هي «معارضة المعارضة»، التي خلقتها السلطة وأوجدتها واستخدمتها للتصدي للمعارضة، فهي معارضة تعارض من يعارض السلطة، ومعارضة تعارض أي تغيير، ومعارضة لا تريد أي إصلاح أو تطوير أو ديمقراطية حقيقية أو انتخابات أو استفتاء شعبي. معارضة تتمسك بما تتمسك به السلطة، وتريده وترغب به، بل تقاتل من أجلها.
نعم يريدون «معارضة» حاضرة في مجلس النواب، تقبل بعدم استجواب أي وزير مثلاً، وتقبل بأن يمكن أن يحل مجلسها إذا ما رفضت تشكيل حكومة. يريدون معارضة مهنتها إقرار القوانين القمعية والسالبة للحرية، وتعمل على ترسيخ الواقع، بل تثبيت دعائمه، والتصدي لكل من يريد إصلاحه.
يريدون معارضة صوتية تجيد فن البهرجة الإعلامية في الصراخ والتهديد والوعيد، ولكنها تمرر كل ما تريده السلطة بلمح البصر!
يريدون معارضة «معتدلة»، لا تؤمن أبداً بأن يكون هناك توزيع عادل للدوائر الانتخابية، ففي ذلك إفساد لأوضاع البلاد، وجرّها إلى حرب طائفية، كون تلك العدالة تسلب «مكتسبات» الأقلية وامتيازاتها، وتعطي الأكثرية حقوقها السياسية.
يريدون معارضة شبيهة بـ«معارضة المعارضة» التي أعلنت قياداتها من قبل إن «مبدأ الحكومة المنتخبة يتنافى فعلاً مع إحدى أهم الوسائل الدستورية البرلمانية والغاية من وجود البرلمان ذاته، وهي في الوقت نفسه منافية لمبدأ الديمقراطية التي يتحدّث عنها الجميع وينادون بها في كل المحافل والمواقع»! بمعنى: نريد معارضة لا تطالب أبداً بانتخابات وتوزيع عادل للثروة وعدالة لأنها فكرة «منافية ديمقراطية»!
يريدون المعارضة «المعتدلة»، التي لا تكون أجندتها «المسمومة» مملوءة بالأفكار «الغربية» التي لا تناسبنا، ولا تتواءم مع ديمقراطيتنا، والتي تطالب بالمساواة بين أبناء الشعب الواحد وعدم التمييز بينهم، فهذه أفكار «عنصرية» فالناس مختلفون وميز بينهم، فمنهم «سادة» لا تتواءم القانون أبداً، وآخرون «عبيد» تصمّم القوانين لعقابهم فقط والتضييق والتشديد عليهم.
يريدون معارضة بحرينية «وديعةً مطيعةً»، ترى في تحقيق العدالة بين الناس «محاصصة طائفية» تقسّم المجتمع البحريني المتماسك جداً! وبالتالي يجب عليها أن لا تحمل تلك الأفكار المريضة والمطالبة بالمساواة بين الناس في التوظيف والتوزيع العادل للثروات.
يريدون معارضة، تؤمن أيماناً كاملاً كما آمنت به «معارضة المعارضة»، من أن الشعب «غير راشد» (تصريح لأحد قيادات معارضة المعارضة في أبريل/ نيسان 2013)!
يريدون معارضة لا تطالب بصلاحيات كاملة لمجلس النواب، بل بـ «تقليص» صلاحياته، مع إبقاء مجلس الشورى المعين، ليكون بذلك صمام أمان منها، فلربما تعود تلك المعارضة عن رشدها وتنقلب على عقبيها، فيكون هناك من يقف لها ويصدها ويكبح جماحها!
لا يريدون معارضة تدعو لأية تسوية أو اتفاق أو مخرج سياسي، يحظى بقبول الشعب كافة، فهذا المطلب ترفضه «معارضة المعارضة» بشكلٍ قاطع تماماً، على اعتبار أن «الشعب غير راشد»، ولا يفهم شيئاً، وعليه أن يقبل بما تعطيه السلطة حتى وان كان ذلك «فتاتاً»!
لا يريدون معارضة تقف أمام توجهات تسريح المواطنين من أعمالهم، أو عدم توظيف المحسوبين عليها في القطاع العام والآن الخاص أيضاً. ولا نريد معارضة تعارض الأحكام القاسية التي تطال الجماهير، بل نريد معارضة تشجع الحلول الأمنية واستمرارها، وتقف مع سياسية «الحديد والنار»، وتشديد قوانين «الإرهاب»، وتستنكر الادعاءات بوجود سجناء سياسيين أو تعذيب وانتهاكات في السجون.
يريدون معارضة تكون «ريموت كنترول» بيد السلطة، كما هو حال «معارضة المعارضة» حتى لا تتهم بالعمالة إلى دول أجنبية، وحمل أجندات خارجية، كما يريدونها معارضة لا تحمل أية مطالب أو أهداف حتى يمكننا أن نصفها بأنها «معارضة معتدلة»، وإلا فإنها إرهابية وعميلة وخائنة ومندسة!