نشرت جريدة البلاد لقاءً قديماً منقولاً عن جريدة الأضواء الأسبوعية البحرينية عام 1971 مع الأستاذ غازي الموسوي (عضو التجمع القومي الديمقراطي).
التحالفات الانتخابية ضمن البرامج :
وانتقل الآن إلى لقائي الثاني في هذه الحلقة بعد أن أضع بين يدي القارئ تمهيدا أو مدخلا له.
إننا في البحرين حين نعتز برأسمالنا البشري لا نخرج عن واقع حي وحقيقة قائمة لا تحتاجان إلى كبير دليل بأكثر من مجرد الجلوس إلى غالبية شبابنا الخريجين المثقفين وتبادل الحديث معهم لاستطلاع سعة أفق ثقافتهم وأبعاد معرفتهم.
وحتما فإن رأيي هذا لم يأت لاستجداء الإطراء وتلمس لمديح الرخيص لخرجينا ومثقفينا وإنما جاء عن استقصاء واقتناع.
فلقد اجتمعت بكثير من اخوتنا المصريين خريجي جامعات مصر وآخرين من أخوة لنا أبناء البلدان العربية الذين تخرجوا من دمشق وبغداد وبيروت وبعضهم من جامعات غربية، فألفيت أن أغلبيتهم تنحصر ثقافتهم في حدود الكتب التي تلقوا معلوماتها بالجامعات التي درسوا بها وجل همهم الوظيفة التي تدخل في اختصاص دراستهم.
والغريب العجيب أن بعض هؤلاء لا يعرفون أسماء ثلاثة أرباع عواصم بلدان العالم ومنهم أيضا من لا يعرف أين يقع مقر الأمم المتحدة كذلك استطيع أن أقول وأؤكد أن رجل الشارع البحريني يمتلك من الوعي ويحيط بأحداث العالم أكثر بكثير مما يعيه غيره ممن هم في حكم مستواه الاجتماعي بعديد من بلدان العالم العربي بل بأغلبيتها.
فما هي العوامل يا ترى والمؤثرات التي خلقت ذلك الوعي للبحرين وبلورت له تلك الدراية؟ ألوضع البلد الجغرافي عامل مؤثر؟ أذلك مردودة تفاعلات حضارية أثرت وأبرزت نوعية البحارنة جيلا يتبع جيل.
إلا إنني هنا سآخذ بعامل الوراثة أو بالأصح تركيب المجتمع والبيئة والبيت. ذلك لأنني حينما سعيت لمقابلة السيد غازي الموسوي وتبادلت الحوار معه شدني الإعجاب باطلاعه ودهشت مع ثقافته رغم صغر سنه. فلا غرو إنه ابن شاعرنا رضى الموسوي.
نتحدث إلى غازي عن كل ما سألته حوله فكان متألقا وكأنه أستاذ محاضر بمدرج جامعي. وإليكم حصيلتي من أجوبة ذلك الشاب العامل في الحقل المصرفي ببنك البحرين والكويت.
ج1- بشأن الاستقلال قال: إنني سعيد بأن أرى بلدي قد تخلص من النفوذ الأجنبي وأرجو أن يكون هذا التخلص من القوى الداخلية له انعكاساته في الداخل بحيث يؤدي إلى تطوير جذري للنظم السائدة وأن تقوم علاقات تتسم بالتعاون وتظللها الثقة المتبادلة بين الدولة والقاعدة العريضة لشعب هذا البلد.
ج2- وبالنسبة بخروجنا من ربقة النفوذ الأجنبي أجاب بأنه لا يستطيع أن يقطع باليقين الآن ذلك تستدعي تحرك ايجابي من قبل الدولة في الداخل والخارج يثبت هذا الخروج.
ج3- وأما عن الدستور فقد رد السيد غازي الموسوي بأنه، يرى أن يكون الدستور معبرا عن تطلعات البلد ومتكافئا مع وعي الجماهير وآمالها لابد أن يأتي عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا حرا. على أن تطعم هذه الجمعية بخبراء في الفقه الدستوري والقانون ليتسنى وضع دستور متكامل لبحريننا.
ج4، 5- بشأن مطالبه التي يرغب أن يتضمنها الدستور والحريات التي يصر على أن ينص عليها قال: “أرغب أن يركز الدستور على أوسع مدى للحريات العامة لأن بلدنا به نسبة كبيرة من المتعلمين وكل منهم عنده خلفية معينة للمناطق التي تلقى دراسته العالية بها. وأفضل شيء هو أن يفسح لهم كل مجال ليعبروا عن آرائهم بحرية فالنقاش والحوار المفتوح دليل صحة للمجتمع، وهو الطريق الوحيد للوصول إلى الهدف المنشود كما أن المجتمع الذي يكفل لأفراده جميع الضمانات الاجتماعية لابد أن يسوده الرضى والاستقرار. وأول أمر أود أن أركز عليه هنا أن يسمح للعمال بممارسة حقهم المشروع في إنشاء نقاباتهم ليتحرروا من ربقة المتحكم في رقابهم ولقمة العيش لهم ولأولادهم خصوصا وهم القوة الإنتاجية لاقتصاد البلد ومصدر خيره، ناهيك عن كونهم يمثلون الأغلبية للتعداد السكاني.
كما أرغب أن يكون الدستور ذا صبغة اجتماعية حيث أن من ضمن تكامل الحريات أن يبيح الدستور الرقابة الشعبية على كل شيء كي نقضي على أي شكل من أشكال الاستغلال.
جمعية تأسيسية لسن الدستور:
ج6- بشأن العمل الحزبي وتنظيماته أجاب السيد غازي الموسوي بقوله: إن نسبة الأمية قليلة جدا. صحيح أن العمل السياسي في مجتمع متخلف يؤدي إلى كثير من عدم الانضباط وربما الفوضى والضياع في المتاهات، إلا أن هذه كلها بمثابة ضريبة لابد منها لنستطيع أن نصل ونتعلم من الخطأ والصواب ولنمضي قدما. كذلك لابد من المرور بمراحل مختلفة حتى في ممارسة العمل النيابي وهذه جرعة الدواء التي لابد منها. إذا التنظيم الحزبي لا يعطي القدرة على ممارسة العمل النيابي وحسب وإنما هو السبيل الوحيد لتنظيم المعارضة المنظمة المثلى.فإذا لم تتكون المعارضة الصحيحة داخل المجلس فهي ستتكون خارجه بطريق أو بآخر.
ج7- التجربة الكويتية تجربة متقدمة بالنسبة لمنطقة الخليج وأتمنى لهذه التجربة مزيدا من التطور والاستفادة من الأخطاء.
ج8- في أغلب دول العالم فإن من يملك السلطة التنفيذية لا يسمح له بمزاولة أية نشاطات مكسبه غير عمله الرسمي ولكن على الدولة أن تؤمن له المستوى المعيشي الذي ستناسب مع مركزه الاجتماعي.
وأعتقد أن الجهاز التنفيذي لبلدنا يحتاج إلى تطور كبير بمعنى أن جهازنا في كثير من قطاعاته متخلف تماما ومن ناحية أخرى فإن علينا أن نأخذ بنظام اللامركزية حيث نمنح الوزير أو المسئول حرية العمل والتنظيم لوزارته. ومن الضروري أو المحتم أن ننشئ جهازي الرقابة الإدارية والمالية ليتابعا سير الأعمال وأوجه الدخل والصرف للدولة لكي يطمئن المواطن بأن موارد بلده تذهب في أوجهها السليمة.
كما تحتاج أجهزة الدولة إلى التطعيم بعناصر شابة متخصصة على أن تعطي لها الصلاحيات التي تتناسب مكانتها لتعمل على بناء بلدها وتخطط لمرحلة ما بعد الاستقلال والمستقبل.
ج10- أنا لا أعتبر الخريجين هم رصيد هذا البلد فهناك العديد من العناصر الممتازة والتي عندها الإمكانيات والرغبة في خدمة بلدها. وأعتقد أن الخريج يتحمل مسئولية متابعة موضوع اختصاصه ليستطيع أن يقدم شيئا متطورا لبلده.
ج11- نادي الخريجين مقصر لا ريب بشأن هذه المرحلة ولكن ذلك لأسباب بعضها خارج عن إرادته. فالنادي لا يمتلك مقرا حتى الآن كما أن موارده المالية شحيحة جدا. ورغم ذلك كله فإنه قد قام ببعض النشاطات الجيدة كبرنامج مساعدة الطلبة ودعوة عدد من رجالات الفكر والأدب ليقدموا بعض إنتاجهم.
ج12- بشأن تخلف البرامج التعليمية أجابني السيد غازي الموسوي بنا يلي:
إني اتفق معك تماما بصفتي عملت مدرسا مدة عامين. فالتعليم ببلدنا يحتاج إلى نظرة جديدة وإلى أسلوب يختلف تماما عما هو قائم وموجود حاليا. نحن بحاجة إلى التركيز على ربط التعليم بالتنمية الاقتصادية للبلد ربطا متكاملا.
إن التنمية كما تعني استثمار رأس المال فالتعليم استثمار لرأسمالنا البشري. كذلك فإنني أعتقد أن التعليم التجاري يجب أن يكيف أكثر وأكثر مع حاجة السوق وفي نفس الوقت توسع التعليم الصناعي وضغط التعليم العام لمصلحة التعليم التخصصي.
ج- الاستقلال كما تعرف كان أمنية الجميع. ورغم أن الاستقلال قد تحقق نتيجة لضغط شعبي متزايد امتد سنين وسنين إلا أنه قد تبلور بجهود دبلوماسية وتحرك حكومي.
ولاشك أن الاستقلال قد حمل المواطن مسئوليات لتحديات كبيرة وأعطاه المجال المباشر لبناء وطنه وإثبات قدرته.
ج- لا نقطع بأن تدعي من أن بلدنا قد خرجت من مظلة النفوذ الأجنبي لأننا وبلدان عديدة وحتى بعض بلدان العالم الأكبر حجما لازالت جميعها بشكل أو بآخر تخضع لتلك النفوذ أو ضحية لأطماعه.
فعلينا إذا أن نتخلص من رقة ذلك النفوذ خطوة خطوة. ولعل ذلك تضح بصورة جلية في كون غالبية دوائرنا أو وزاراتنا أخذت صوتها المحلية ووجهها البحريني الصميم والبقية آتية على الطريق بإذن الله.
ولا أخالك يا أخ محمد إلا بمؤيدي بأن المواطن البحريني قد أثبت كفاءته وقدرته في جميع الميادين.
ج- كما هو معروف فإن الدولة ماضية في وضع مشروع الدستور وأعتقد أن أفضل السبل هو إشراك جميع فئات الشعب في دراسة ذلك المشروع وإقراره لتكون هذه العملية خير التزام يشد الشعب بالارتباط الوثيق لدستوره الذي يتطلب منه الالتزام والاحترام.
ج- أرغب وأصر على أن يحتوي الدستور جميع الضمانات الاجتماعية والحريات الأساسية لكل مواطن في القول والعمل. ولعل دخولنا المجتمع الدولي وتصديقا على ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان قد حتم علينا الالتزام بكل ذلك.
فعلى الشعب والسلطة أن يتبادلا الثقة والتعاون ليتسنى بناء البلد طبقا للمستوى المنشود.
ج- في تقديري أو وجود الأحزاب وتعددها ليس هو الطريق الوحيد السليم للديمقراطية وقيام المعارضة. ولكن هناك أشكالا متعددة لتحقيق تلك الديمقراطية كالتكتلات النيابية داخل المجلس والرأي السليم كفيل بأن يعبر عن نفسه.
ج- اعتقد أن مثل هذه الرقابة ضرورية لمتابعة سير الأعمال في الجهاز التنفيذي، ولكنني لي أيضا رأي خاص عنه. وهو أن على الدولة أن تمنح من توكل إليه مسئوليات ويتطلب مركزه مستوى معيشي لائق دخلا كافي كالقضاة وغيرهم من المسئولين.
ج- قطعا فإن واجبي الأول أن أسهم بكل طاقاتي في سبيل خدمة وطني بغض النظر عن كوني خريجا أو عاملا عاديا.
ج- أنا من الناس الذين ينتقدون نادي الخريجين لأنه لم يقدم ما يجب أن يقدمه للمجتمع. أما بالنسبة لدوره في هذه المرحلة الانتقالية فكان في وسعه أن يكون ايجابيا بأكثر مما بدا به. أما عن مساعدة الطلبة الجامعيين فإنها تأتي عن طريق مساعدات التجار وليس للخريجين فضلا بها سوى جمعها.
ج- يجب إعادة النظر في البرامج التعليمية إذ نحن نحتاج أهم ما نحتاجه إلى أيد فنية عاملة تفتقر إليها البلد بشكل ملحوظ