قال لي صاحبي: أوافقك الرأي في لعنة العلم وليس لعنة اللاعلم.. وضرب مثالا على لعنة العلم لكونه خريج جامعة وحامل شهادة للماجستير في الاقتصاد ولم يحظ وقتها بفرصة عمل مناسبة بالحكومة ولا بالقطاع الخاص.. وسألته وما مصير شهادتك إذن؟ فقال لقد حلت عليها وعلى صاحبها اللعنة! وتابع القول: الماجستير موجودة في رف بين الكتب بالمنزل يغطيها الغبار بوشاح أمحوه بين فترة وأخرى.. وقد تعبت من المسح والتنظيف فالغبار يعود مصرا على تقديم التعازي لشهادة الماجستير!..
مسكين صاحبي هذا قضى زمنا في الدراسة وتلقى العلم وهاهو يكتوي بنيران العلم.. صحيح أنه يعمل بعد 10 سنوات من البطالة ولكن ما يستلمه من راتب لا يغطي مصاريفه على نفسه والعيال والمدارس والقروض والدكاكين المجاورة لبيته وغيرها قائمة طويلة.. إذن أصابته اللعنة جراء تعلمه! لأن المسألة ليست في توفير وظيفة مجردة من التخصص والكفاءة والحوافز والعلاوات. وقلت لصاحبي: الآن جاء دوري لأعطيك معنى لعنة اللاعلم.. فقال: إني مصغ إليك، فقلت: إذا لم يتعلم الإنسان سيكون مصيره صعبا في عالم اليوم عالم المنافسة والتقنية والذي يعتمد بالأساس على القراءة والكتابة ومعرفة الكمبيوتر واستخدام الإنترنت، وبالتالي يصعب عليه الحصول على مهنة تساعده على سد رمق العيش أو أكثر لكونه شابا يتطلع إلى الزواج والاستقرار و تكوين عائلة والسفر وتدريس الأولاد والحصول على سكن وغيرها، وهذا لا يمكن تغطيته إلا من خلال وظيفة راتبها جيد أوعمل دخله مجز. فإذا كان المتعلمون يواجهون مشقة الحصول على عمل براتب مجز.. فما بالك بمن لم يكملوا دراساتهم الجامعية أو تخصصوا في مجال معين بعد الثانوية العامة كالمحاسبة والكمبيوتر والإعلام والتمريض واللغة الإنجليزية وغيرها؟ فهل تتوقع ياصديقي أن لا تصيبهم اللعنة من جراء عدم مواصلة تعليمهم الجامعي أو من جراء عدم التخصص في أحد المجالات الفنية أو المهنية؟ وسألته: ماذا تقول؟ فهز رأسه موافقا دون أن ينبس بكلمة حينها كأنه جثة هامدة. تبسمت وحاولت أن أبتسم ولكني بكيت من الداخل وحبست دمعي لكي لا ينذرف على خدي الأجعد.. وهزهزت رأسي لأقر بأن قيمة العلم ومع الأسف مهتزة وإلا ما تعرض مواطن يحمل شهادة عليا إلى هذه المأساة! وأعدت السؤال ماذا حل بك؟ فقال: أتذكر تلك اللحظات قبل 20 عاما حين غادرت الدولة التي كنت أدرس فيها، ففي المطار فتح الضابط حقيبتي ولما رأى (الشهادة) ضرب لي سلاما.. وأغلق الحقيبة بنفسه بكل هدوء وأدب.. واعتذر! وعلى هذا الأساس أقول ان استمرار تصاعد أرقام مستحقي المعونة من الخريجين الجامعيين يكشف عن مؤشر مخيف له آثار سلبية على استقرار الفرد وتطور المجتمع وحري بالجهات المعنية العمل على دراسته وتحليله.