المصدر الأصلي هنا
(تقول الكاتبة ان المحللين اجمعوا على انه ليست من مصلحة ايران تنفيذ خطة لقتل السفير السعودي في واشنطن. إذن بدلا من بحث اسباب ايران للتورط في مثل هذه الخطط، سيكون اكثر فائدة فحص دوافع واشنطن لترويج هذه المسرحية السياسية)
تبعت الاتهامات الجنائية، تصريحات من اعلى المستويات من البيت الابيض ووزارتي الخارجية والدفاع ومن مسؤولي الاف بي آي والسي آي أي ، وكلها منسقة لإحداث أفضل تأثير درامي. ثم سعت الحكومة الامريكية الى اقناع المجتمع الدولي عبر مجلس الامن و"مكالمات هاتفية مع العديد من العواصم" حول خطورة الاتهامات. وقد ذهب هذا الاستعراض الى مديات ابعد من مجرد السعي لمقاضاة جريمة واحدة. الأكثر احتمالا انها نوع من "الدبلوماسية العامة" لمحاولة ترسيخ فهم اوسع يخدم قرارا سياسيا. والدفع بالخطاب المناهض للبعبع الايراني ليست بجديد في دوائر السياسة الأمريكية. الجديد هو التأكيد على هذه القصة في اعقاب الانتفاضات العربية في الشرق الاوسط.
دور (الفريق الاحمر)
في مارس الماضي حين اكتسحت الثورات العربية منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، أجرت القيادة المركزية الاميركية (سينتكوم) وهي التي تقوم بعمليات في 20 دولة بضمنها (ايران والسعودية والعراق ومصر واليمن والبحرين والاردن)، تمرين (الفريق الاحمر) لاختبار الخطاب السياسي الذي يضع العرب في مواجهة الايرانيين حسب مصدر مشترك في المشروع.
أنشئ الفريق الاحمر التابع للقيادة المركزية في 2006، كما ابلغني متحدث رسمي في العام المضي "من اجل التفكير خارج العلبة، وتقديم فكر معاكس و .. إذكاء التفكير والدفع الى حيوية فكرية " حول قضايا مهمة لفائدة المسؤولين العسكريين الكبار. واليكم بعض الفرضيات والاسئلة التي تضمنها ذلك التمرين لتأليب العرب ضد الايرانيين (لاحظوا ان الفريق الاحمر يسمي الايرانيين "الفرس") (الملاحظة بين القوسين من الكاتبة شرمين)
الفرضية- ليس بين العرب والفرس مشتركات: التاريخ – الدين – اللغة – الثقافة ، وهي تشكل عوائق كثيرة لايمكن تخطيها.
الفرضية – "عقدة النقص العامة لدى العرب تجاه الفرس تعني ان الكثير من العرب يخشون من التوسع الفارسي والهيمنة على الشرق الاوسط. مازالت الامبراطورية الفارسية حاضرة في اذهانهم، وان ايران اكثر اكتفاءا بذاتها من معظم الدول العربية.
الفرضية – فيما عدا ماقيل في "صدام الحضارات" أي الحروب الصليبية الحديثة (حيث الاسلام ضد المسيحية /اليهودية، و(الغرب/اسرائيل ضد العرب/الفرس) ليس هناك سيناريو يجمع فيه العرب والفرس قواهم ضد امريكا والغرب.
سؤال: هل من المناسب تأطير النقاش باعتبار (العربX الفرس) او هل (سني X شيعي) اطار اكثر ملاءمة؟
سؤال: بافتراض وجود شرخ، ما الذي يوحد العرب والفرس؟ ولو مؤقتا؟
هذا التمرين يفترض أمرين: اولهما ان الانقسام بين الايرانيين والعرب هو حقيقة واقعة وانه لو حدث اتحاد بين الكتلتين في اعقاب الثورات العربية، فسوف يشكل هذا خطرا داهما على المصالح الامريكية ، ومن هنا السؤال القلق"ماذا يمكن ان يوحدهما ولو مؤقتا؟"
هل الهدف إذن هو احداث حالة من العداء المزمن بين الايرانيين والعرب؟
يقول المتحدث الرسمي الميجور تي جي تايلور T.G. Taylor لموقع صالون ان مخططي السينتكوم "يفترضون سيناريوهات عدة ونتائج محتملة من اجل توقع وفهم طبيعة المنطقة المعقدة والمتنوعة. ومن خلال هذا التخطيط العسكري الحكيم والبحث الثقافي نستطيع تقييم كيفية تمكن الولايات المتحدة من حماية مصالحها ومصالح شركائها في الوقت الذي تقلل فيه خطر الحسابات الخاطئة عن الاختلافات العرقية والقومية "
وبدون شك فإن المنطقة حافلة بالحدود الخاطئة التي تقسم السكان. يمكنني ان اذكر أكبر ثلاث قنابل قذرة في الشرق الاوسط : السنة ضد الشيعة ، العرب ضد ايران ، الاسلاميون ضد العلمانيون. وفي حين ان هناك بعض التوتر بين هذه المجموعات ولكن منذ الثورة الايرانية في 1979 فقد لوحظ ازدياد خطاب خلق المخاوف من الشيعة والايرانيين والاسلاميين من اجل الحصول على مزايا جيوبولتيكية. وحلفاء امريكا في المنطقة : الاردن والسعودية ومصر والكويت والبحرين واليمن، كانوا رأس الحربة في هذه الجهد.
(هل السنة – الشيعة اطار اكثر ملاءمة ؟ العرب يخشون من الهيمنة الفارسية .. الاسلام ضد المسيحية واليهودية..)
مثل هذه الافكار كانت موجودة وتتكرر في وسائل اعلامنا. ولم يكن تمرين الفريق الاحمر استثنائيا في كثير من جوانبه ، ولكن الاستثنائي هو توقيته وراعيه. والسؤال المحير : لماذا قرر الجيش الامريكي القاء الضوء على خطاب العرب ضد ايران بعد ثلاثة اشهر من الانتفاضات التي تجتاح العالم العربي؟ لماذا لم يركزوا على التقييم المطلوب فوريا حول كيفية مواءمة المصالح الامريكية مع اللاعبين الديمقراطيين الذين يبزغون في المنطقة ؟
انتقال ميزان القوى
في وقت تنفيذ تمرين الفريق الاحمر، كانت الاحتجاجات الهادئة والسلمية قد اكتسحت النظامين المؤيدين لامريكا في تونس ومصر ووصلت الثورة الى البحرين واليمن. البحرين هي مقر الاسطول البحري الامريكي الخامس، واليمن هي مسرح عمليات ضد القاعدة و ميدان حرب بالإنابة عن التوترات السعودية الايرانية.
وكان لصانعي السياسة الامريكان سبب للقلق. كان المستفيد من الانتفاضات هي ايران، وهي دولة ظلت على مدى ثلاثة عقود تتحدى المصالح الامريكية والاسرائيلية في المنطقة. وسقوط الطغاة المؤيدين لامريكا سوف يضمن ان تميل السياسة الخارجية للمنطقة على ايدي القادة الجماهيريين الجدد، على اكثر احتمال الى منظور ايران حتى لو لم تكن بتوجيهات ايرانية. وحسب الكاتب الصحفي في نيويورك تايمز ، ديفد سانجر، لم تحول الادارة الامريكية انظارها عن هذا التطور. في شباط الماضي، قبل شهر من تمرين الفريق الاحمر ، كتب يقول:"كل قرار- من ليبيا الى اليمن الى البحرين الى سوريا – يتم فحصه بمنظار كيفية تأثيره على مايحدث، حتى منتصف كانون الثاني، كانت الفكرة المهيمنة في ستراتيجة ادارة اوباما الاقليمية : كيف يمكن ابطاء تقدم البرنامج النووي الايراني وتسريع احداث انتفاضة ناجحة هناك".
إن رؤية الانتفاضات العربية من خلال العدسات الايرانية كان مفيدا للولايات المتحدة. اتضح من الاستبيانات،أن الجماهير العربية دائما تفضل ايران حين تقارن بالولايات المتحدة، ولكن تقل النسبة حين تقارن بالانظمة العربية الاخرى، حتى الانظمة المكروهة. وهذا الميل لدى العرب هو الذي مكن خصوم ايران لبذر الفرقة في العالم العربي حتى قبل الثورة الاسلامية في 1979 ولكن ازداد بعدها . وقد ساد وانتشر الخطاب حول الطموحات الايرانية الشيعية للتوسع، عن طريق وسائل الاعلام المملوكة للسعوديين.حتى في ظل الحقيقة انه لم يكن هناك نزاع كبير بين الايرانيين والعرب منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية في 1988.
(تقول الكاتبة في الخاتمة ان قوة البروباغندا هذه نتجت عن اقناع السعودية ودول الخليج لشراء اسلحة ببلايين الدولارات.)
*(محللة سياسية تغطي الشرق الاوسط وزميلة في كلية سانت انطوني في جامعة اكسفورد لديها ماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا) كنا قد تناولنا بعض آرائها هنا
http://ishtar-enana.blogspot.com/2011/10/6_16.html
تعليق: من الواضح أين تقف الكاتبة ، وربما تكون ايرانية الأصل، ولكن ما يهمنا في مقالتها موضوع (الفريق الأحمر) والمعلومات التي اسمعها – انا على الأقل – لأول مرة. ومنها نعرف كيف يخطط صانعو القرار في امريكا. اما بالنسبة للخشية من التوسع الايراني ، فهي ليست مجرد (عقدة نقص) عربية كما تزعم الفرضية البنتاغونية التي نقلتها الكاتبة وانما هي واقع: انظروا تمدد ايران في العراق ، وتمددها في دول الخليج، وفي افغانستان وآسيا، وفي افريقيا، فالتوسع واقع وليس مجرد خيال. لكني اتفق في ان الحرب القادمة ستكون بين كتل سنية وكتل شيعية في المنطقة. فالحرب القادمة دينية ومذهبية. حين تستعد أمريكا سوف تأخذ العرب (السنة) في حملة ضد ايران (الشيعية) ، وهكذا يقضي المسلمون بعضهم على بعض، ويعود الجميع الى العصر الحجري، بعد أن تكون امريكا والغرب قد امتصوا آخر قطرة نفط وغاز وماء ايضا.
الناشر: عشتار العراقية 28 أكتوبر 2011م