هاني الفردان
بصراحة حاولت أن أفهم وأتفهم، وسعيت لإقناع نفسي بأني فهمت معنى «التوافق» وآلياته في حوار التوافق الوطني منذ يونيو/ حزيران 2011، وحتى أعيد هذا الموضوع من جديد في فبراير/ شباط 2013، ومع ذلك لم أفهم معنى «التوافق»!
في «حوار توافق 2011» فشل التوافق شاء من شاء وأبى من أبى، فهذه هي الحقيقة التي أصبح يسلّم بها جميع الأطراف، لأن التوافق المنشود الذي تم الحديث عنه وقتها، لم يخرجنا مما نحن فيه الآن من أزمة واحتقان.
مشهد من «حوار توافق 2011» هو أنه بعد السماح بالحديث للمشاركين في الحوار بالكلام لبضع دقائق، يقول رئيس الجلسة «أتصور هناك توافق»، أو «لا أعتقد بوجود توافق» لينهي المسألة، إنها الديمقراطية الجديدة المبتدعة.
ولأني لم أتمكن من فهم معنى «التوافق»، فلم أجد إلا مناشدة من يستطيع أن يفهمني كيف يمكن معرفة «التوافق» في جلسات الحوار الجديد بعدما فشل القديم.
حتى القائمين على الحوار ومن خلال سعيهم لإفهام الآخرين معنى التوافق، قالوا عن التوافق إنه «الكلمة المتعارف عليها دولياً تستخدمها الأطراف للتوصل إلى اتفاق دون اللجوء إلى التصويت، وذلك خلال عملية بناء التوافق»، وسيقوم البحرينيون بتحديد القضايا، والمصالح، والاحتياجات الأساسية، ويجدون لها حلولاً أو يتوصلون إلى حلول تعالجها إلى الحد الأقصى الممكن. ومع هذا الشرح المفصل والدقيق، لم أفهم أيضاً كيف سيتم التوصل لتوافق على مرئية مختلف عليها بين المعارضين والمؤيدين!
وفي محاولة لتبسيط الأمور، سعى القائمون على الحوار لإقناعنا ولو بالقوة، ففسروا «الماء بعد الجهد بالماء»، عندما صرّحوا أن «القرار بالتوافق يعتبر أقوى أشكال الاتفاق، حتى أنه أشد قوةً من التصويت بالأغلبية الساحقة؛ فالقرار التوافقي يعالج ويلبي المصالح الأساسية للأطراف المعنية، ويحقق أوسع تأييد للنتائج».
بالطبع ما شهدناه في 2011 كان أفضل من التصويت، عندما كان مفهوم التوافق بيد الرئيس وبـ «مزاجه»، نعم حدث توافق، لا لا يوجد توافق، وليس من حق أحد الاعتراضّ ويمكن لفرد أن يمنع التوافق أيضاً، حتى لم يفِ الرئيس بعهده ورفع فقط المتوافق عليه من وجهة نظره، وتجاهل ما لم يتم التوافق عليه، وكلها مطالب للمعارضة!
بالطبع هذه الرؤية لم تتغير منذ سنتين، ومازالت السلطة مصرّة على مبدأ التوافق بين المتحاورين، وكلنا يعلم ما حدث في «حوار 2011» عندما انسحبت الوفاق، واعترضت جمعيات المعارضة الباقية على نتائج «التوافق»، لعدم حصول التوافق عليها.
السؤال المحيِّر في حال الاختلاف على مطلب كـ «حكومة منتخبة» مثلاً، كيف سنحدّد أن المطلب متفق عليها أم غير متفق عليها، وكيف سيتم قياس التوافق للخروج بنتيجة واضحة؟ وهل سيكون ذلك كما كان في الحوار السابق عندما يصرخ رئيس الجلسة «أعتقد لا يوجد توافق»!
وجدت أن الذكاء كان في اختيار مصطلح التوافق، وتفسيره الذي لا يمكن فهمه أبداً، فكانت أفضل جملة قرأتها في أدبيات حوار التوافق الوطني هذه العبارة «الأفلاطونية» وهي «الاتفاق التوافقي هو أفضل اتفاق».
يقولون «التوافق» أقوى وأفضل من التصويت (ولذلك أصبحت النتيجة في يدي الرئيس)، ولكن كيف لنا أن نعرف أن هذه المادة تم التوافق عليه أو اختلف عليها، أليس من خلال العدد المؤيد لها والرافض والآخر المتحفظ، ومن خلالهم يمكننا أن نعرف ما هو متفق عليه وما هو غير متفق عليه؟ أم أن المعرفة التي تحدث عنها القائمون على الحوار بأن العملية ستكون «توافقية» لا عددية، ستهبط من السماء على من سيدير الحوار ليقرّ بوجود توافق من عدمه؟ لعبة المصطلحات والكلمات جميلة جداً، وخصوصاً عندما تكون خارجة من قانونيين يفهمون جيداً مفعول العبارات المطاطية التي «تعوّم» الأمور وتجعلها واسعة في الفهم والتحوير.
ما أستنتجه من إصرار السلطة في تغليب ما يرونه بـ «التوافق» رغم فشله في «حوار 2011» على «التصويت العددي» محاولة لكسر حالتين، الأولى تمييع مقولة المعارضة بأن المشاركين في الحوار أغلبية مؤيدة للسلطة وبفارق مريح جداً، وبالتالي فإن التصويت سيكشف ذلك بشكل واضح وجلي، والثاني إعطاء صبغة مريحة في الوصف على حالة الحوار ضمن خانة «توافق» و «تفاهم» لا خلاف وانشقاق، ولذلك فضلوا الصيغة الأكثر تعقيداً لتضيع معها القدرة على فهم وإدراك ما كان يحدث على طاولة «الحوار».
بـ «التوافق» ستضمن السلطة نتائج الحوار لصالحها لغلبة عدد المتوافقين معها، وقلة عدد المعارضين لها وذلك بواقع 19 متوافقاً، و8 معارضين، بـ «التوافق» لن تستطيع المعارضة أن تحقق أي مطلب لصالح جماهيرها، في ظل وجود من يعترض عليها. وستعمل السلطة على التقليل من أرباحها التوافقية وتمرير بعض المطالب الثانوية، حتى لا يكون الأمر فاضحاً وبيّناً للخارج.
لن نجد بهرجات ولا مهرجانات ولا حفلات ولا ميداليات مطلية بالذهب كما حدث في السابق، حتى لا يقطع الطريق على حوار توافقي ثالث أيضاً. أعتقد أن ذلك سيكون الخلاصة من «حوار التوافق» في نسخته الثانية.