قالت "بثينة " : مهما وضعت من لوحات بلدي ومهما اقتنيت من متعلقاته ومهما سمعت من أغانيه ومهما شممت من ترابه الذي وضعته في قارورة في غرفة نومي كي أفتح عيوني صباحاً عليه, كل هذا لم يمحُ الشعور بالغربة ولا ألم الفراق.
لستُ أنسى الصباحَ الأخيرَ
على باب ِ أهلي ..
الوداعُ انتهى بالدموع ْ
وبغدادُ كانت تنازع ُ من خنجر ٍ في الفؤادْ
نوافذها أظلمت ْ
نوارسُها هاجرت ْ
قلائدها سُرقت ْ
وأنجمها انطفأت بانطفاء ٍ تلاه ْ انطفاء ٌ
تلاهُ انطفاء ْ
تهدّج حزنٌ غريبٌ بقلبي هتفتُ ….. عـراق
فدمدمت الريحُ حولي ….. عـراق
ضاق حولي المدى
أطبقت
ثم ضاق الخناقْ
* * *
لست أنسى الضياعْ
حين غابَ المعلـّقُ و النهرُ خلف الدموعْ
و نخلُ الرصافة ِ والكرخ ِ
و الناسُ و الأ عين الغاليات
و أطفال ُ حيفا و مكتبتي
تركت على الركن نظارتي
و الكتابَ الأخير ْ
و أولاد جيراننا الأقربين
أولئك من أنشدوا للعراق
قبيلَ الوداع رأيتُ مشاعرهم طافحاتٍ بألعابِ عسكر…
وكانوا بقنص ِخيال ِ العِدا هانئين
* * *
لست أنسى الفراق
و لذعـته ما تزال كما الجمر تكوي
لست أنسى الظلام الذي ظل فوق الحضارات يهوي
و تلك الجيوشَ التي عسكرت في المدائن تعوي
عواءً يقول ُ: بأن الذئاب ستذبحني من ورود الجديلة
حتى الوريد
قبل يوم الفراق رأيت العراقَ حزينا ً و فتيتـَهُ يحملونَ
عذوقَ الرصاص
بنادقهم زُيتت بالعنادْ
و محشوة ٌغضبا ً و اتقادْ
رأيت العراقَ بآخر يوم الوداع ْ
كأن أبا ً كـتـّـفوهُ و شـدّوا عيونــَهْ
ثم قاموا بذبح بنيه أمامهْ
واحدا ً واحدا ً
كان رغم الغطاءِ يرى فتذوبُ حشاه ْ
و أسمعُ نجواه
يبكي
فأنشجُ كالريح خلف الحدود أولولُ
آه …. فآه …. فآه ….
* * *
من بعيدٍ سمعتُ العراق َ
يهزّ ُ الجهاتْ
لابسا ًزيّــهُ العسكري
قام صلـّى و ألقى السلام على الأكرمين
ثم نادى البناتِ و كلّ َالبنينَ
هلمّـوا نقاتلْ
هلمّـوا نقطـّـعَ تلك السلاسلْ
و ننسف تلك الجحافل ْ
ندمـّرُ فوق الغزاة الحصونَ …الصروحَ ..المعاقلْ
هلمّـوا نزلزلهم
و نحصدُ هاماتِهم
بالمناجلْ
و نقنصهم قنصَ عاجلْ
و نمحقهم محق َ أعتى النوازلْ
وها هم إلى ذلــِّهم راحلون
بخفي حنين ٍ
أما ذاق سيـّدُهم بعضَ أخفافِنا ؟
فليعضوّا الأناملْ …
* * *
و هاهم يخافون ظل العراق
فكيف و قد شب كل ّ الرجال البواسلْ
و ها هم يخافون اسم العراق
و لم يبقَ للنصر إلا القليل
و ترجع بغداد مزهوةً بالنشيد الجديد
يعيشُ العراقُ الأبيّ ُالمقاتل ْ
و سحقا ً لكلّ دخيل ٍ
و غاز ٍ و خائن
* * *
زغردي يا ابنة الرافدين
فقد بزغ الفجرُ
من عتمة الليل شق ّ َ الطريقْ
إن آذاننا
منذ ست ِ سـنيـن تحنّ ُ و تـشتـاقُ
تلك الهلاهل