بقلم: هدى ابو غنيمة
أقسى ما يواجهه الإنسان في صراعه اليومي الإحساس باليأس وانطفاء جذوة الروح ،الجذوة التي تضيءعتمة الوجدان وتبعث إرادة الحياة في الشدائد والأزمات،فأي واقع مأساوي يواجه الإنسان العربي حينما تسلبه الأحداث الدموية الدائرة على أرضه إنسانيته ووعيه ،ليصبح همه البحث عن مخلص ولو كان مستعمرا؟
أفقدنا الصراع الدموي الدائر على أرضنا الإحساس بالأمان وتتعاون القوى الاستعمارية لإطفاء جذوة المقاومة في أرواحنا فهل نستسلم وأي استسلام أبشع من أن نصفي بعضنا بعضا ،ليصفو الجو للمؤهل الوحيد للحياة على هذه الأرض اسرائيل·
لقد أصبحت بلاد الشام مخيما كبيرا للاجئين من فلسطين والعراق وسوريا بينما يحرث اللاعبون الأرض ويعيثون فسادا وقتلا وتدميرا ويلطخون الذاكرة الوطنية بالدم وكأن هذه البلاد منذورة للدمار وللتصفية بأيدي أهلها وبتواطؤ العالم شرقا وغربا ليكون البقاء للأكثرإجراما ووحشية،فهل بقي لحدود سايكس بيكو على الأرض قيمة بعد أن أصبحت حدودا وجدانية؟
تتبارى دول العالم في المخترعات والمنجزات الحضارية ونزداد احتراقا في دائرة النار المحيطة بنا عاجزين عن الانطلاق والنهضة متخبطين بصراعنا وأزماتنا ورغم ذلك لابد أن نتطلع إلى المستقبل بثقة وبوعي بقدرتنا على المقاومة في لحظة الإشتباك الصعبة التي وصفها خيري منصور في كتابه الاستشراق والوعي السالب
بأنها اللحظة التي ينفرزعندها الوعي الحقيقي وإلى الجانب الاخر الوعي السالب قصير النظر نافذ الصبر والذي يلجأ إلى طرد المسمار بمسمار اخر من الجهة المقابلة·
ذلك الوعي الزائف الذي يتجلى في الترحيب بالغازي الأجنبي للخلاص من الجور والعسف وتعبر عنه الحكاية التالية الواقعية بقدر ماهي رمزية الدلالة على تجربة بشرية في التاريخ· حدث بالفعل أن عانت جزيرة جامايكا من تكاثر الفئران فيها ، بحيث أتت على كل الزرع والمحاصيل أما قصب السكر فعذوبته وحلاوته كانت سببا كافيا للقضاء عليه عن وجه الجزيرة، عندئذ تفتقت أذهان المزارعين عن فكرة جديدة بعد أن باءت كل أشكال المقاومة بالفشل، لجأوا إلى حيوان اخريعشق لحم الفئران هو ((النمس)) واستضافوا قبائل منه إلى أرض الجزيرة وأطلقوه في المزارع ولم تمض ثلاث سنوات حتى كانت أرض الجزيرة قد حررت من الفئران،وهنا في زحمة الاحتفال اكتشف المزارعون البائسون أن ضيفهم الذكي ((النمس)) قد بدأ يفتش عن غذاء اخر ،فقد انتقل النمس إلى الطيور فقضى عليها ولم يبق أثرا للدواجن، أما الحشرات الضارة التي كانت تعالجها الطيور فقد أصبحت بعد غياب الطيور تتكاثر بكميات لايمكن مقاومتها ،وكاد أن يعم الجوع ،عندئذ شن سكان جزيرة جامايكا حملة لإبادة الضيف النمس ونجحوا في ذلك إذ لم يعد في الجزيرة نمس واحد ····لقد علمتهم التجربة أن يقاوموا الفئران بوسائل يمتلكونها وبطرق لا تؤدي إلى ماهو أسوأ·
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.