قاسم حسين
قبل أن يكمل الوفد الحكومي إلى جنيف إلقاء كلمته أمام اللجنة المعنية باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو»، بدأت الحرب سجالاً في الفضاء الالكتروني.
كان الكثيرون يتابعون وقائع هذه الجولة الثالثة من المعركة الحقوقية الطويلة، التي جرت يوم الثلثاء (11 فبراير/ شباط 2014)، بمقر الأمم المتحدة في جنيف، وكان لافتاً أن أول تعليقٍ كان من الناشطة المصرية عزة سليمان.
ولأن (الحال من بعضه)، ولمعرفتها بأوضاع حقوق الإنسان «الحقيقية» في البحرين، حيث سبق أن شاركت بتنظيم محاضرات ودورات في المجلس الأعلى للمرأة، لذلك كان تعليقها لافتاً ومهماً جداً وله دلالة سياسية وأخلاقية كبرى.
بدأت عزة بتحية وفد الجمعيات الأهلية البحرينية ووصفتهم بأنهم «أقوياء»، وكشفت أن أعضاء لجنة «سيداو» يطرحون أسئلةً شديدة اللهجة على الوفد الرسمي البحريني، خصوصاً فيما يتعلق بأحداث مارس/ آذار 2011. وسخرت من رد اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان لقولها أنه طُلِب منهم «تقديم بيان شفوي للجنة»، وتساءلت بجملةٍ اعتراضية صارخة: (مين اللي طلب منهم)؟ إلا أن الانتقاد الأشد كان لردّ وزارة العدل، حيث وصفته بأنه «كذب صارخ»، لقولها أنه «لا يوجد أدلة على اعتقال سيدات بسبب مواقفهن السياسية».
كانت هذه خلاصة بعض التغريدات على «تويتر»، (وبعضها لا يمكن نشره)، حيث كانت تكتبها الناشطة المصرية فيجري تداولها بين الحقوقيين في البحرين والعالم العربي في الدقيقة نفسها. والدرس الأهم الذي لا يريد البعض استيعابه: انه لم تعد سياسة التعتيم والتكتيم ممكنةً في هذا الزمان، فكيف يفكّر بإمكانية نفي وجود معتقلات رأي في البحرين؟
مع ذلك، ورغم هذه الجلجلة، احتفت الصحف المحلية في اليوم التالي، بنشر خبر «انتصار» الوفد الحكومي في جنيف، تحت عنوان عريض: «لا معتقلات رأي ولا مفصولات عن العمل بسبب الرأي»! وعاد بعض أفراد الوفد ليستعرضوا إنجازاتهم وبطولاتهم التي حقّقوها في جنيف!
بعيداً عن صخب السياسة ومجادلات السياسيين، الأرقام المجرّدة تقول أنه تم اعتقال 328 مواطنة بحرينية في العام 2011 بسبب الأحداث وما اتخذنه من موقف سياسي. (وهو رقمٌ ضخمٌ جداً على مستوى دول الربيع العربي الأخرى مقارنةً بحجم السكان). بعض هؤلاء المعتقلات قضين أياماً أو أسابيع أو شهوراَ، وصدر بحق بعضهن أحكام قضائية، ومازالت هناك ست مواطنات في السجن، بعد خروج الناشطة الحقوقية زينب الخواجة الأسبوع الماضي بعد إكمال حكمها، حيث كان لقضيتها صدى كبير في وسائل الإعلام الأجنبية). كما أن هناك ثلاث مواطنات حُكم عليهن الأسبوع الماضي بالسجن، ليرتفع العدد إلى ثماني سجينات رأي، ولا يمكن أن تخرج لنا منظمات «العازة» الحقوقية، ليقولوا إنهن متهماتٌ بقضايا فساد مالي أو إداري!
هذا من ناحية أرقام المعتقلات، أما المفصولات عن العمل، بسبب مواقفهن السياسية (غالباً بسبب مشاركة في اعتصام أو مسيرة سلمية أو الذهاب للدوار وأحياناً بسبب وشايةٍ رخيصة)، فيكفي تصريح الوفد الرسمي نفسه أمام لجنة «سيداو»، بأن الحكومة أعادت 876 موظفة مفصولة وموقوفة عن العمل بسبب أحداث 2011 إلى وظائفهن»، والإعادة اعترافٌ بخطيئتي «الفصل» و«الإيقاف» عن العمل!
إنها معركةٌ حقوقيةٌ خاسرةٌ بلا ريب، لأنها لا تقيم وزناً للعقل، ولا تراعي مستجدات العصر.