قاسم حسين
كما توقعنا تماماً… بدأت المسألة بمشروع رفع الدعم عن اللحوم، وهكذا يريدون أن تكرّ المسبحة، برفع الدعم عن الماء والكهرباء والنفط ومشتقاته، وهناك أمورٌ أخرى سيصرحون عنها قادمةٌ في الطريق.
وزير الإعلام، وبعد أسبوعين من محاولات اللف والدوران على الموضوع من جانب الحكومة، أعلن عقب جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، أنها ستقوم «بإعادة توجيه مبالغ الدعم لمختلف الخدمات والسلع»، وهو ما كنا ننتقده ونحذّر منه مبكراً، لآثاره الطاحنة على الأسرة البحرينية، قبل أن يكون مؤثراً على الأجانب، وخصوصاً المقتدرين منهم، الذين باتوا يشغلون الكثير من الوظائف العليا والمتوسطة في القطاعين العام والخاص، بعد تخلّي الحكومة رسمياً عن مشروع «البحرنة»، رغم كثرة الطنطنات التي توحي بغير ذلك.
لنسألكم يا من تريدون تجفيف لقمة المواطن: ما هي ميزة البحرين اليوم؟ وما هي ميزات اقتصادنا الوطني مقارنةً بالاقتصادات الناشئة في دول الجوار؟ الكل يتفق على أمرين: أنه «جنة ضريبية للأجانب»، وتوفّر الطعام بأسعار متاحة للجميع (والحمد لله). والحكومة تغضّ الطرف تماماً عن الجانب الأول، بخصوص فرض أية ضرائب على دخول الأجانب، مع أنهم يدفعون ضرائب في بلدانهم الأصلية تصل إلى خمسين في المئة أحياناً. لكنها في المقابل تنظر شزراً للقمة التي يتناولها أبناء الشعب.
الحكومة وفي أعقاب انهيار أسعار النفط الصيف الماضي، لم تجد بنوداً في الموازنة العامة يمكن أن تقلل مصروفاتها غير تلك المتعلقة بالحاجات اليومية الضرورية للناس، من طعام وكهرباء ونفط. وكانت أمامها تقارير رسمية موثقة ودقيقة تغطّي جوانب الفساد المالي والإداري لمدة 13 عاماً، لم تفكّر في إيقاف هذا «الهدر» الدائم في المال العام، رغم ما سيوفّره للموازنة العامة من أموال، بدليل تكراره كل عام. ويُفاجَأ الرأي العام بإلحاحٍ شديدٍ من قبل الحكومة على رفع سقف الدين العام إلى مبلغ فلكي بالنسبة لاقتصادنا الصغير.
الحكومة ومن أجل تمرير مشروع تجفيف لقمة المواطن، حاولت دغدغة المشاعر العامة، باللعب على وتر «الأجانب… والأجانب»، وأنها غير مستعدة أن تخصّص موازنات دعم سيستفيد منها «الأجنبي» و«المؤسسات الخاصة المدللة» كما هو الحال الآن! ولكن هذا الكلام فيه الكثير من التضليل على الحقائق، وتجاهل تبعات مثل هذا القرار الخطير، الذي سيثقل كاهل أغلبية الأسر البحرينية. فأنت تتكلّم عن بلد تتلقى فيه 114 ألف عائلة معونات شهرية من وزارة التنمية الاجتماعية، وهو شكلٌ بسيطٌ جداً من أشكال «إعادة توزيع الثروة» على الطبقات الفقيرة. كما أنها أداةٌ معروفةٌ تستخدمها حتى الدول الغنية كوسيلةٍ للحد من أية انفجارات أو احتجاجات على سياسات التقتير الحكومية. فماذا ستفعل أنت لمعالجة ما سينتج عن هذه السياسات التقتيرية التي تبشّر بها المواطنين ليل نهار، وتصوّرها كطوق نجاةٍ وحيد للاقتصاد الوطني؟
المشكلة ليست في رفع الدعم عن اللحوم البيضاء والحمراء فحسب، بحد ذاتها، وإنّما في ما سيستتبعه ذلك من رفع أسعار كافة السلع والخدمات بلا استثناء. فالاقتصاد حلقاتٌ مترابطةٌ، تؤثر كل حلقة على أخرى. فعندما يرتفع سعر اللحوم سيؤثر ذلك على كلفة تشغيل كافة المرافق والشركات. حتى العامل الآسيوي لن يكفيه الراتب الزهيد الذي تصرفه له شركته، وسيخرج للمطالبة برفع راتبه لكي يجد ما يأكله وتأكله عائلته في وطنه.
الكل يعلم أن رفع دعم اللحوم سيرفع مباشرةً وجبات الطعام التي ظلت في متناول الجميع، مواطنين ومقيمين، وهو ما سيطيح بهذه المعادلة «توفر الطعام بأسعار متاحة للجميع»، وهي «الميزة» شبه الوحيدة لدينا، مقارنةً بدول الجوار.
ابحثوا عن بنود أخرى لمواضع الخلل والهدر لتعالجوها في هذا الاقتصاد الذي تتحكم فيه الليبرالية المتوحشة. راجعوا حساباتكم، فهذه السياسات التي تبدأ بتجفيف لقمة العيش، إنّما ستنشر الشقاء وشظف العيش لعشرات الآلاف من المواطنين، وتوسّع رقعة الفقر، وتضاعف أعداد الفقراء.