بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وأخيرا، ومثلما هو متوقع، وافقت حكومة المالكي المنشأة في ظل الإحتلال يوم 16/11/2008 على الإتفاقية الأمنية مع المحتل الأمريكي، وتقاسمت مع المحتل المنافع. هم يحمونها من (فلول النظام السابق) وهي تمنحهم قواعدعسكرية غير محددة وسلطات غير مقيدة. إن موافقة الحكومة المنشأة في ظل الإحتلال على الإتفاقية هي جريمة خيانة عظمى، تضاف الى جرائمها المتواصلة، وهي إعتراف عملي بالغزو والإحتلال الأمريكي للعراق وإعفاء للمحتل من أية تبعات فرضها القانون الدولي نتيجة هذا الإحتلال غير المشروع، وتفريط بحقوق ضحايا الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق.
إن تحويل شكل الإحتلال من تفويض من مجلس الأمن الى إتفاقية ثنائية، سيزيد من فعل المقاومة العراقية ولن ينقذ الإحتلال وعملاءه من المصير المحتوم. العراقيون هم الشعب الذي علم الإنسانية الحضارة ولن يرضوا بأقل من التحرير الكامل لوطنهم، وتلك مسألة محسومة وحقيقة عمرها عمر العراق.
وفي أطار سعي المقاومة العراقية لحشد قوى شعب العراق والقوى العربية والدولية المناهضة للإحتلال من أجل لإسقاط الإتفاقية يجب الإنتباه الى أمرين :
الأول : هو التأكيد على إن إسقاط الإتفاقية ليس هدفا قائما بذاته بل يجب أن يكون جزءا من إستراتيجية التحريرالشامل والنهائي للوطن. إن الإحتلال المزدوج الأمريكي الإيراني للعراق هو عمل غير مشروع وباطل قانونا، وإن كل ما نتج عن الإحتلال هو باطل بموجب القانون الدولي. فالعملية السياسية التي أنشاها المحتل باطلة بكل عناصرها بدءا الإنتخابات والدستور وكل القوانين والتشريعات والهياكل السياسية والتشريعية. وإن مقاومة وإسقاط كل عناصر مشروع الإحتلال هو حق ثابت قانونا لكل عراقي.وهذه الحقيقة تجعل الربط الموضوعي والقانوني بين كل أجزاء مشروع الإحتلال مطلوبا بقوة، وإن إهمال أو السكوت على أي جزء من أجزاء مشروع الإحتلال هو قبول بكل الإحتلال، كما إن النصر على أي من أجزاء مشروع الإحتلال لا يعتبر نصرا إذا لم يتحقق النصر عليها جميعا.
الثاني : يجب الحذر من إندساس المنافقين والطفيليين والباعة المتجولين الذين يقبلون بالإحتلال ويدّعون مقاومة بعض إجراءاته، إما لإنها تناقض مصالحهم أو لإنهم مدفوعون من طرف خارجي. وكنموذج لهذا السلوك نشير الى موقف بعض أعضاء ما سميت بجبهة التوافق، والى موقف التيار الصدري الذي قفز الى واجهة الأحداث حال إعلان موافقة حكومة المالكي على الإتفاقية منددا بالإتفاقية ومهددا بإسقاطها في توزيع أدوار إيراني متقن يضع قدما مع الإتفاقية ممثلا بحزب الدعوة والمجلس الأعلى وقدما ضدها ممثلا بالتيار الصدري، وتلك لعبة لا تنطلي على شعب العراق ومن الضروري فضحها.
من يقرأ بيان مقتدى الصدر يوم 14/11/2008 يكتشف بسهولة أن إيران هي التي كتبته ووفق ما يخدم سعيها للهيمنة المطلقة على العراق وخدمة مصالح عملائها في المنطقة الخضراء، ولتوضيح ذلك ندرج في أدناه بعض الملاحظات عليه:
1 – تبدأ الفقرة الأولى من الرسالة بالقول (اني على يقين بل واُحذر مما سيقوم به المحتل من تجديد الدعم للإرهابيين بنشر مفخخاتهم ودوي انفجاراتهم… فانصح الحكومة ان تكون على أهبة الاستعداد لحماية شعبها لا أسوارها فقط)
يلاحظ في هذه الفقرة الإزدواجية الصارخة، فهو يحذر مما سيقوم به المحتل وبنفس الوقت يوجه النصح للحكومة التي أنشأها المحتل، والتي من المفترض أن يتعامل معها تعامله مع المحتل كونها قرينه التي وقعت الإتفاقية معه.ولكن لإن الحكومة تحظى برعاية ولاية الفقيه، فإنه يعطيها الشرعية ويعتبر شعب العراق (شعبها) ويطالبها بمد يد الحماية له.
إن من بديهيات الأمور أن الإحتلال والإستقلال لا يجتمعان في أرض واحدة، فإن كان ما في العراق إحتلالا كما يرى مقتدى فالحكومة عميلة للإحتلال. وإن كان في العراق قوات متعددة الجنسية فيمكنه عندذلك إضفاء ما يحب على من أوصاف على الحكومة، أما الجمع بين الشيء ونتقيضه فذلك منتهى الإزدواجية والنفاق.
ثم يضيف: (نحن على أبواب شهر (ذي الحجة الحرام) شهر الحج وشهر الرفض للباطل وأهل الباطل، لذا فأدعو حجاج بيت الله الحرام إلى رفع أيديهم بالدعاء في بيت الله الحرام وفي قبر سيد الكونين محمد (صلى الله عليه واله وصحبه المنتجبين) لتخليص الشعوب الإسلامية المحتلة في القدس الشريف وفي العراق المقدس وغيرها من الأراضي الإسلامية المحتلة من الظلم والاحتلال).
وهذه كلمة حق أريد بها باطل، فهو يقفز من موضوع الإتفاقية الى موضوع أثير للحكومة الإيرانية في مواسم الحج وهو موضوع (الولاء والبراء) ويحشره حشرا هنا، والنفاق في هذه الفقرة هو أن إيران التي ساعدت المحتل على إحتلاله والتي أعلنت إستعدادها على وراثته (ملء الفراغ بعده)، والتي تواصل إحتلالها لإمارة الأحواز العربية منذ ثمانين عاما وللجزر العربية منذ سبع وثلاثين عاما والتي تحتل حاليا حقول نفط العراق في مجنون والفكة، هي التي تطالب بتخليص الشعوب الإسلامية من الظلم والإحتلال!
2 – وفي الفقرة الثانية من رسالته يقول (وأدعو الحكومات العربية ان تختم سيرتها بشيء من النور والصلاح، وليستعملوا سلطتهم لإخراج الاحتلال من أراضي (الوطن العربي) كما يعبرون.. فسوف لن نكون امة واحدة إذا كنا محتلين ولن نكون امة وسطا وبؤرة الفساد بيننا)
وهذه الدعوة فيها نفاق فارسي جليّ، فالتيار الصدري كان مشاركا في الحكومة المنشأة في ظل الإحتلال وهو مشارك حاليا في البرلمان المنشأ في ظل الإحتلال، والذي يستمريء التعامل مع الإحتلال في بلده ليس له أن يلقي دروسا في الوطنية على الآخرين. ثم لماذا خصّ الدول العربية في الدعوة لإخراج المحتلين دون غيرها من دول المنطقة والعالم، خاصة وأن هذه الدعوة جاءت بإسلوب التهكم عندما وضع تعبير الوطن العربي بين قوسين وأردفه بعبارة (كما يعبرون)، وذلك موقف شعوبي فارسي معروف.
3 – وفي الفقرة الثالثة يقول (اكرر مطالبتي للمحتل بالخروج من ارض عراقنا الحبيب من دون بقاء قواعد ولا توقيع اتفاقيات، وفي حال بقائهم فاني اشد أزر المقاومين الشرفاء ولاسيما من بمركزيتنا يعملون إلا وهم الكتائب المنطوية تحت ((لواء اليوم الموعود)) لا غير، مشدداً على ان لا توجه أسلحتهم إلا على المحتل حصراً)
وهذه الفقرة توضح بجلاء نوعية (مقاومتهم) للإحتلال، فهو يطالب المحتل بالخروج وإن لم يفعل فإنه سيشد أزر المقاتلين وسيطالبهم بتوجيه اسلحتهم الى المحتل فقط. ومعروف إن الإحتلال الأمريكي للعراق عمل عدواني غير مشروع، ومقاومته حق مشروع وفرض عين على كل عراقي منذ تدنيس أول جندي أمريكي لإرض العراق يوم 20/3/2003. أما من يتنظر الى أواخر عام 2008 ثم يساوم المحتل على الخروج مهددا بمقاومته، فهذا صاحب غرض دنيء ومنتهك للشريعة وللمباديء التي إتفقت عليها الإنسانية في رفض ومقاومةالظلم والظالمين.
4 – ويختم رسالته بالقول (وعهدا لقائدنا ورئيسنا المهدي ان لا نوجه السلاح إلا إلى المحتلين أينما كانوا……. أملين من القوى الأمنية ان لا تضر بالمقاومة الشريفة التي لم ولن تضر أي عراقي فحيا الله الشعب العراقي ومقاومته الشريفة التي ستبقى ساعية لتحرير الأراضي العراقية واستقلال شعبه ووحدته والى سيادة حكومته ورفع ضغوط المحتل عنها.)
يؤكد مقتدى في هذه الفقرة من جديد أنه لن يستهدف عملاء الإحتلال من الجيش والشرطة لإنهم أصلا عملاء إيران إنخرطوا المؤسسات الأمنية التي أنشأها الإحتلال. لم يحصل في تاريخ حركات التحرر أن فرّق المقاومون بين المحتل ومن يجمل السلاح لحمايته من العملاء، بل يزيد المقامون من إستهدافهم للعملاء كونهم أداة المحتل الرئيسية، مثلما فعلت المقاومة اللبنانية مع العميل أنطوان لحد ومثلما فعل جيش التحرير الجزائري إزاء من كانوا يسمون بالهركيين.
إن هذه الوقائع تشير بوضوح الى إن حكام إيران يلعبون لعبة مزدوجة ويساومون (الشيطان الأكبر) على حساب حقوق ومصالح شعب العراق. إنهم يمكرون السوء وستدور عليهم دائرته بوعي ومقاومة العراقيين وبقدرة العزيز المقتدر.
والله من وراء القصد
بغداد في 16/11/2008