رغم عدم قناعتنا بعدم جدية الحكومة الاردنية بالاصلاح، وان ما تقوم به بعيد كل البعد عما تدعيه، من استعداداتها لعملية الاصلاح السياسي والاقتصادي، وقد ظهر ذلك جليا من تشكيلة لجنة الاصلاح، ممن لم يكونوا في اغلبيتهم من دعاة الاصلاح، وتجاهلها للذين طالبوا بالاصلاح، ورفعوا لواءه من احزاب المعارضة والنقابات والشخصيات الوطنية، الى جانب ان ما تركته احداث ميدان جمال عبد الناصر، بسبب من التصرفات الخرقاء في معالجة الامر مع المعتصمين، والاسلوب اللااخلاقي في استهدافهم، من خلال عملية تفتيت الوحدة الوطنية، وابراز عملية اصطفاف رخيصة فيما بين الموالين والمعارضين.
ليس من حق اي مواطن ان يدعي الانتماء الوطني اكثر من غيره، ولا يجوز ان يدعي البعض الولاء، ويعمل على تجريم المعارضين له في وجهة النظر، لانه يتنافى مع احترام الرأي والرأي الآخر، الذي يجب ان نعطيه مساحة واسعة من جميع تحركاتنا، ومن خلال علاقاتنا مع بعضنا البعض، مع ان البعض في الاعلام المرئي والمقروء والمسموع، ينفث سموماً تقطر حقداً، يهدف للاصطياد في المياه الآسنة، لما تركته الاحداث في نفوس الكثيرين، من الغيارى على الوطن والوضع الخاص، الذي يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار للوطن الاردني، الذي يتطلب من الجميع وبدون استثناء ان يطبق عليه جفنيه، وان لا يترك مجالا للناعقين، الذين يضعون من انفسهم اساتذة لهذا الشعب، من خلال ما وفرته لهم الاجهزة، من مواقع في الاعلام المدجن.
السفينة الوطنية هي ملك لجميع ابناء الوطن، وان اكثرية المواطنين يسعون جاهدين على حمايتها من اي خرق، قد يدفع بها ان تغرق بالجميع، بسبب حاقد موتور، او مغامر طائش، او سياسي فقد دوره، حتى لو عزاها البعض الى حزب سياسي بات محاصراً فيما يدعيه من شعبية موهومة، جاءت بفعل عوامل غير طبيعية، يتحمل النظام واجهزته نتائج ممارساتهم التاريخية، في حق كل ابناء الوطن، ومع ذلك فان السياسة الحكيمة هي التي تتمتع بطول النفس، في التعامل مع مجريات الاحداث، والاعتراف بان الوطن والمواطنين، باتوا يستحقون اكثر بكثير مما قدمت لهم كل الحكومات السابقة، مما يعني ضرورة اخذ عملية الاصلاح على مأخذ الجدية، التي لا تحتمل التلكؤ ولا المماطلة والتسويف والمراوغة لكسب الوقت، حتى تحين ساعة الهروب من متطلبات الاصلاح ومقتضيات حدوثه.
الاصلاح ضرورة وطنية، ويحتاج الى مصداقية وايمان باهميته، وحاجة الوطن والمواطنين وحتى النظام السياسي له، لان حالة الاحباط قد باتت تغزو عقول وقلوب غالبية المواطنين، امام مرأى ما باتوا يشاهدونه من مكتسبات قد تحققت بفعل الثورات الشعبية العربية، وبشكل خاص في الساحتين التونسية والمصرية، مما يتطلب من النظام السياسي بقيادة جلالة الملك، ان يعيد النظر في السياسة الحكومية، وفي اعادة تشكيل لجنة الاصلاح، على شرط ان تكون عملية الاصلاح شمولية، تتناول كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، وان يكون معظم اعضائها ان لم يكن جميعهم، من احزاب المعارضة والنقابات والشخصيات الوطنية، لانهم الذين يطالبون بالاصلاح، ولا اخال ان احدا لا يثق برغبة جلالة الملك، وصدق توجهاته، بالشرط الذي يجب ان يفهمه الجميع، ان لغة الحوار هي اللغة الوحيدة التي ستحقق النتائج المرجوة، وتجريم اي لغة تتجاوز هذه اللغة الحضارية.
ان هناك فرصة ما زالت سانحة امام الجميع لمراجعة مواقفهم، وفي اعتقادي الجازم ان الكثيرين من القوى السياسية، يحتاجون الى دعوة ملكية للجنة اصلاح جديدة، ووضع الخطوط العامة لعملية الاصلاح الشامل، والعمل على تقسيم الاصلاح الى محاور رئيسية، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية، تقوم كل مجموعة من اعضاء لجنة الاصلاح، بوضع الخطوط العامة للاصلاح في هذه المحاور، ليتم مناقشتها، وتحديد عناصرها، والخطوات التنفيذية الواجب اتباعها، لتنفيذ عملية الاصلاح المنشود، في فترة زمنية محددة، يستأنف الوطن مسيرته التي تعطلت كثيراً، بفعل الممارسات الحكومية السابقة، ومعالجة ما اصابها من وهن وضعف، طيلة الفترة الزمنية، التي لم يشعر فيها المواطن انه جزء من وطن ينتمي اليه، حتى نجعل من سفينتنا الوطنية، تسير بدون تلاطم او تدمير او تحطيم لا سمح الله، وحتى نفوت الفرصة على اي متآمر عليه، وخاصة من يتربصون به وبنا في شرق الوطن وغربه، من امريكان وصهاينة.
املنا كبير جداً في ان يتجاوز الجميع ما اصابنا من تشنج واحباط، وان يضع الجميع نفسه في خدمة الوطن والمجتمع، فالانتماء الحقيقي لا يرتبط بالمصالح الخاصة، ولا بالانتماءات الحزبية الضيقية، ولا بالتنظيمات السياسية، التي تضع نفسها بديلاً عن الوطن، بدلاً من ان تكون في خدمة الوطن، لان الوطن فوق الجميع، واهدافه ومصالحه فوق اي اعتبار، وكل وطني غيور بأي انتماء سياسي قومي او ديني او يساري، هو من يجعل من انتماءاته هذه، تبدأ من الهم الوطني، حتى تكون هناك مصداقية لانتماءاته التي هي اكبر واوسع من الساحة الوطنية.