بدا الرئيس الأمريكي جورج بوش وكأنه يستبق مقتل عدد من الأمريكيين خلال انفجار فندق ماريوت في العاصمة الباكستانية عندما امتدح الإسلام والمسلمين مؤخراً. ولكن الاستباق الذي مارسه هذه المرة لم يكن في سياق حربي، كما يحصل عادة، وانما في سياق وفاقي اذ جاء في حفلة افطار دعا إليها عدداً من الشخصيات الإسلامية من الولايات المتحدة وخارجها. ولقد حول بوش الافطار الديني الى مناسبة للإشادة بالإسلام الذي اصبح ".. واحداً من اعظم الاديان" في عالمنا الراهن، وبالعالم الإسلامي الذي لبث على مدى قرون "مركزاً للعلم والثقافة"، وبالمسلمين و"بمساهماتهم الخلاقة في التقدم العلمي الذي أفادت منه البشرية جمعاء"، وللتأكيد على انه يحترم الدين الإسلامي ويرفض "التعصب الأعمى بكل أشكاله".
ويندرج الافطار الذي نظمه البيت الابيض في اطار استراتيجية نفذتها ادارة بوش من اجل كسب عقول وافئدة العرب والمسلمين وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالمين الإسلامي والعربي. بيد ان هذه الاستراتيجية لم تحقق، كما تقول تقارير ودراسات متعددة، النتائج المتوخاة منها. فالدراسة التي أعدها "برنامج بيو لدراسة اتجاهات الرأي العالمية" توصلت الى ان صورة الولايات المتحدة وصورة جورج بوش شخصيا مطبوعتان بدرجة عالية من السلبية.
واستندت هذه الدراسة الى استفتاء واسع النطاق شمل 24 بلدا منها بعض الدول الإسلامية الرئيسية (هيرالد تريبيون 13/6/200). وجاءت نتائج الدراسة مخيبة لآمال ادارة بوش اذ بينت ان اكثرية المستفتين في بلدين حليفين تعتمد عليهما واشنطن اعتمادا كبيرا في استراتيجيتها العالمية هما تركيا والباكستان تعتبر الولايات المتحدة عدوا للشعوب الإسلامية. اما جورج بوش فإن نسبة التأييد له لم تتجاوز العشرين في المائة من المستفتين في الدول العربية مثل مصر والاردن، البلدين اللذين وقعا اتفاق سلام مع "اسرائيل".
ويبدي بعض المحللين الأمريكيين بصورة خاصة استغرابهم لهذه النتائج وللسلبية الكبيرة التي تطبع مواقف الرأي العام الإسلامي والعربي وحتى العالمي تجاه جورج بوش وتجاه الولايات المتحدة خلال المرحلة "البوشية" ويرى هؤلاء ان مثل هذه النتائج تظلم رئيساً أمريكياً خرج عن التقاليد السياسية الأمريكية ووجه نقدا عنيفا الى سياسات بلده التي كانت تحابي الانظمة المستبدة في البلاد العربية. بل انها تظلم رئيساً أمريكياً سعى الى تصحيح هذه السياسة والى دعم التحولات الديمقراطية في المنطقة. استطراداً، لم يستغرب هؤلاء المحللون ان تكون شعبية جورج بوش ضعيفة لدى المسؤولين في هذه الانظمة، ولكنهم اعربوا عن استغرابهم الكبير بسبب انتشار الكراهية الكبيرة لبوش في الاوساط الشعبية العربية والإسلامية المتضررة من ممارسة الاستبداد ومن غياب حقوق الانسان، اي بين الاوساط التي يفترض أن تستفيد من موقف إدارة بوش.
ولتبرير هذه الملاحظات الافتراضية، حاولت تقارير أمريكية إلقاء مسؤولية موجة العداء لجورج بوش وللولايات المتحدة على العرب والمسلمين أنفسهم. ونالت فكرة "جهل العرب والمسلمين بالولايات المتحدة" نصيباً واسعاً من اهتمام واضعي هذه التقارير. فتقرير ليون تشارني الذي وضع عام 2005 بمبادرة من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية انطلق من هذه الفرضية لكي يستنتج بأنه على الادارة الأمريكية تخصيص المزيد من المال من أجل تعريف العرب على الولايات المتحدة وعلى فوائد السياسة الأمريكية تجاه العرب.
وانتقدت تقارير اخرى التقصير في دعوة عدد كاف من القيادات الشبابية العربية الى الولايات المتحدة بقصد تعريفها إلى الولايات المتحدة وافساح المجال للقائها بالمسؤولين الأمريكيين.
بيد أن الأمريكيين الذين يرغبون حقاً في تحسين سمعة علاقات بلادهم بالعرب والمسلمين يقدرون بصورة أدق حجم المسؤولية التي تتحملها الادارة الأمريكية الراهنة في شحذ مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة في المنطقة العربية. ويعتقد البعض من هؤلاء، أنه خلافاً للصورة النمطية التي يقدمها مبررو السياسة الأمريكية الراهنة، فان العرب يعرفون معرفة كافية هذه السياسة. فعندما سارع مساعدو جورج بوش الى تلطيف اثر المقارنة التي عقدها جورج بوش بين الحرب ضد الارهاب وبين الحروب الصليبية، بدت محاولاتهم أقرب الى المهمة المستحيلة. ولقد فهم العرب هذه الكلمات تماما كما فهمها الكاتب الأمريكي الليبرالي جيمس كارول (The Nation 02/09/04) أي أنها "..كانت. كلمات عفوية تعبر تعبيرا صادقا وحقيقيا عن مشاعره المستترة وتكشف النقاب عن أهدافه ومراميه".
وتأكد العرب من صواب هذا التفسير عندما أمر جورج بوش بغزو العراق وأصدر سلسلة من الأوامر والتعليمات التي أدت الى تدمير هذا البلد العربي العريق، وتفكيك وحدته المجتمعية والترابية ونهب ثرواته الطبيعية والتاريخية. واذا كان هذا الفاصل من تاريخ جورج بوش في البيت الابيض قد أثار الاشمئزاز في أوروبا الى درجة أثرت في السياحة الاوروبية في بريطانيا خلال عامي 300ھ و2004 لأن طوني بلير ماشى بوش في حملته العراقية، فإنه من باب أولى أن تترك هذه الحملة آثاراً لا تمحى على نظرة الرأي العام العربي والإسلامي تجاه جورج بوش وتجاه الافطارات الرمضانية التي ينظمها في البيت الابيض.
هذه المبادرات لن تغير قناعات العرب والمسلمين بأن "ثقافة الخداع والتضليل" دخلت البيت الابيض مع جورج بوش منذ توليه الرئاسة كما قال سكوت ماكليلان، الذي عمل كمساعد لبوش لسنوات، وان القسم الاكبر من هذا الخداع والتضليل كان موجهاً ضد العرب.
آخذاً بعين الاعتبار هذا الواقع هل يملك جورج بوش أن يفعل شيئاً من اجل تبديل رأي العرب والمسلمين فيه وفي ادارته؟ هل يملك القيام بأية مبادرة لتحسين صورة بلاده في المنطقة العربية؟ من الصعب ان ينزع بوش صورة "المحارب الصليبي" من أذهان العرب ومن الصعب جدا ان ينسى العرب ما فعله تجاههم في العراق وفي فلسطين حيث جاء يهنئ "اسرائيل" في ذكرى ميلادها الستين بينما كان العرب يسترجعون ذكرى النكبة. ولكن لعل بوش يخدم بلاده ويخدم علاقاتها بالعرب إذا خرج من البيت الابيض ومن الحياة السياسية الأمريكية نهائياً واذا خرجت معه البوشية بكل ما تعنيه من جهل وقصور عقلي وعدوانية جامحة عانى منها العرب وعانى منها المجتمع الدولي وعانت منها الولايات المتحدة نفسها
الجمعة 26أيلول , 2008