يبدو أنه كانت هناك عدة قصص مجهزة، ولكنها لم تصمد لأن الأمر خرج عن أيدي نساجي القصص. وهكذا تضاربت الأقوال والتصريحات والسيناريوهات. رأينا فوهتي مغارة تحت تل من التلال وقيل لنا ان القذافي كان مختبئا فيها .. أوه كلا .. هذه قصة معادة ، سبق استخدامها مع صدام حسين . لنقل انه كان يفر من مدينة سرت والتي – وياللعجب- تحمل كل القصف فيها حتى اللحظة الأخيرة. ولم يفر كما قالوا الى صحراء في الجنوب. كلا .. قتل بقصف الناتو . كلا .. لايمكن ان نورط الناتو في هذا لأن تفويض الناتو كان حظر الطيران لئلا يقتل القذافي شعبه بالطيران . لم يكن قتل رئيس البلاد من ضمن هذا التفويض. حسنا نقول ان الناتو لا دخل له، وانما الثوار وجدوه . كيف وجدوه؟ تحت شجرة مختبئا . وحين امسكوا به قال لهم :لا تقتلوني يا أبنائي. أي شجرة يختبيء تحتها؟ كل هذه القصص سمعناها من ثوار الناتو وهم يحلفون بأن كل قصة صحيحة .
أخيرا قبل قليل صرح وزير دفاع فرنسا ان طيرانه شارك مع اعضاء الناتو الاخرين في (ايقاف) قافلة من 80 سيارة كان في احداها القذافي. لم يقتلوه وانما اوقفوا الموكب. وهجم الليبيون وأمسكوا بالقذافي حيا، وقتلوه. قتل على أيدي شعبه وليس بقنابل الناتو المتحضر الظريف واللطيف. صور الرعاع والغوغاء التي رأيناها، كان القذافي موضوعا جريحا على مقدمة بيك آب، وفي خبر للاسوشتيد برس انهم ساروا به يعرضونه في الشوارع على مقدمة السيارة. ثم انزل وهو جريح وضرب حتى الموت امام عدسة الكاميرا وهم يصيحون (الله اكبر) . القذافي عمره 69 سنة أسير وجريح، والقتلة شباب مسلحون، في كامل صحتهم. حتى لو كان سفاحا وكافرا ومجرما عتيدا، فإن الإسلام الذي فيه (الله أكبر) بملء الفم، ينهي عن هذا الفجور. وهناك اخلاق للتعامل مع أسرى الحرب.
في رأيي ان الذي حدث هو التالي: قصف الناتو الموكب وجرح القذافي. ومات من مات واصيب من اصيب. اذا كانت 80 سيارة ، فلا سبيل لايقافها جميعا سوى بالقصف. وهكذا بعد ان تم تحييد السيارات جاء الثوار ووجدوا القذافي جريحا فأخذوه واجهزوا عليه، لأن التعليمات لهم كانت : خذوه ميتا ، لا نريده حيا. لقد جربوا في العراق اسر رئيس دولة واجراء محاكمة صورية ، واعدام سريع ، ولم ينفع في كبح مقاومة الشعب. عدا عن الانتقادات الدولية ووجع الدماغ حول المحاكمة والاعدام . ربما الفيلم الوحشي الذي ظهر واعيد عرضه عشرات المرات كان خارج السيناريو او كان مقصودا لإظهار أمرين اولهما: بربرية المسلمين الذين يصيحون الله اكبر بأعلى صوت وهم يقترفون الإثم .
ثانيهما: لإثبات ان القذافي قتل على أيدي شعبه وليس بقصف القوى الإمبريالية.
++
ملاحظة: اتفرج على قناة العربية الآن وهي تعرض بين حين وآخر (فرحة كل الشعب الليبي بقتل القذافي) وتعرض صور الافراح والليالي الملاح . نفس ماحدث في بغداد يوم احتلالها حين قالوا الشعب كله طلع الى الشوارع ولم يكن سوى الدبابات الامريكية وجماعة الجلبي الذين اخذوهم بالطائرات من اور في الناصرية الى ساحة الفردوس ليمثلوا (الشعب الفرحان) . كانت صور الاحتفالات مأخوذة من زوايا معينة ولكن حين تبتعد الكاميرا بالغلط الى الوراء ترى ان الموجودين لايزيدون على عدد أصابع اليد الواحدة. اتكلم عن بغداد وسرت ومصراتة .. واحد امام الكاميرا يعبر عن فرحته ، جسده يملأ الشاشة وحين ترجع الكاميرا الى الوراء نراه وحيدا في شارع طويل عريض . لاحظوا هذه التقارير على العربية او الجزيرة . سيارات تمشي في الشارع واصحابها لا يرفعون اعلاما ولا يهزجون، وانما السائق في السيارة التي الى جانب الكاميرا يعبر عن فرحته.
الناشر: عشتار العراقية 20 أكتوبر, 2011