تحدثت في عمود سابق امس الاول عن فضيحة "حليمة" التي تفجرت مؤخرا، والتي تتلخص في قيام الرئيس بوش شخصيا قبيل رحيله عن البيت الابيض بتدشين كتاب عنوانه "دموع في الصحراء" لطبيبة سودانية مزعومة اسمها حليمة بشير، يروى قصصا عن جرائم مروعة ارتكبتها الحكومة السودانية في دارفور. ثم تكشف مؤخرا ان القصة كلها كانت تمثيلية، وان المؤلفة المزعومة لم تكن سوى مسئولة في منظمة انسانية سودانية، وان الوقائع التي ترويها كلها كذب وتلفيق، وان دولا كبرى ومنظمات دولية هي التي رسمت ومولت هذه العملية.
كما نرى فان كشف الفضيحة جاء ليكشف عن سيناريو مؤامرة كبرى تستهدف السودان.
وحقيقة الامر ان هذا السيناريو في حالة السودان ما هو الا نموذج لكيف تحاك وكيف تنفذ المؤامرات ضد دولنا العربية بصفة عامة.
واستنادا الى ما جرى في هذه الحالة، فان سيناريو هذه المؤامرات يمضي على النحو التالي:
اولا: دول كبرى لديها مصالح واطماع في دولنا العربية تريد تحقيقها. ومن اجل تحقيق ذلك، لدى هذه القوى بالطبع استراتيجياتها وخططها المرسومة.
وفي اطار هذه الاستراتيجيات والخطط، لدى هذه القوة بطبيعة الحال تصورات تفصيلية لكيفية تنفيذها على ارض الواقع في الدول التي تستهدفها.
ثانيا: وفي سبيل تنفيذ هذه الخطط، لا تتردد هذه القوى في اللجوء الى اقذر السبل والاساليب لو اقتضى الامر ذلك. لا تتردد مثلا كما رأينا في حالة "حليمة" هذه، في اختلاق الاكاذيب وتلفيق التهم الفظيعة للدول التي تستهدفها.
وقد رأينا كيف ان جورج بوش، رئيس اكبر قوة في العالم، لم يتردد في سبيل تنفيذ المخططات ضد السودان، من ان يقود بنفسه شخصيا مؤامرة الكذب والتلفيق الكبرى. فعل هذا وهو على علم بالطبع ان الكتاب وحليمة المزعومة في اطار عملية قذرة صنعتها اجهزة المخابرات.
ثالثا: وللأسف الشديد، في السنوات الماضية اصبحت منظمات دولية كثيرة طرفا اساسيا في تنفيذ المؤامرات التي تحيكها القوى الكبرى.
للأسف، قد تكون هذه المنظمات منظمات حقوق انسان دولية، وقد تكون منظمات تعمل تحت ستار مهام انسانية.. وهكذا.
بل رأينا في حالة "حليمة" كيف وصل الامر الى حد ان المحكمة الجنائية الدولية، التي من المفروض ان تكون قدوة في العدل والانصاف على الصعيد العالمي، كانت هي نفسها طرفا مباشرا في هذه المؤامرة.
رابعا: وبطبيعة الحال، لا يمكن للقوى الكبرى ان تحقق استراتيجياتها وتنفذ مؤامراتها على هذا النحو، لولا تواطؤ شخصيات ومنظمات وقوى محلية في الدولة المستهدفة.
وقد رأينا في الحالة التي نتحدث عنها، كيف ان سيناريو مؤامرة "دموع الصحراء" هذا برمته ما كان له ان ينجح لولا تآمر المدعوة مريم سليمان المسئولة في حركة العدل والمساواة وتواطؤها، ولولا ان منظمة المفروض انها انسانية ترأسها هي منظمة "تأهيل ضحايا دارفور" كانت الواجهة المباشرة لتنفيذ المؤامرة.
وللأسف الشديد، في دولنا العربية من الممكن ان نجد منظمات مدنية حقوقية او انسانية مفترضة، مجرد واجهة لمخططات اجنبية، وطرفا في تنفيذ مؤامرات تستهدف دولنا.
هذه باختصار ابعاد المؤامرات التي تستهدف دولنا العربية وكيف يجري الترتيب لتنفيذها استنادا إلى وقائع فضيحة حليمة السودانية.
السؤال هو: كم حليمة في دولنا العربية؟
كم منظمة وكم شخص بيننا من الممكن ان يكونوا ضالعين في مؤامرات تستهدف دولنا العربية؟
لا شك انهم من الممكن ان يكونوا كثيرين قد لا نعلم عنهم شيئا.
ولنلاحظ ان مؤامرة حليمة هذه تم الكشف عن وقائعها بالصدفة. أي لولا انشقاق مجموعة عن حركة العدل والمساواة وقيامها بكشف المؤامرة، لربما لم نكن نعلم عنها شيئا.
الذي نريد ان نقوله باختصار اننا بحاجة الى ان نتحلى، وان تتحلى الاجهزة المسئولة في دولنا العربية بأقصى درجات اليقظة والحذر من هؤلاء المتواطئين المحليين، ومن هذه المؤامرات عموما.
فالأمر ليس بسيطا، بل هو جد خطير. هذه مؤامرات تستهدف تدمير مجتمعاتنا ودولنا وتحطيمها بصور شتى.