مالك عبدالله
كل عام يأتينا تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية ببعض أنواع الفساد المستشري في الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات التابعة للحكومة تحت مرأى من المسئولين والنواب والشعب.
وكل عام والفيلم يُعاد بالشكل نفسه وبالسيناريو نفسه، يطرح التقرير وينشر في الصحف، ويتم تسليط الضوء على بعض النقاط المهمة فيه، وصرخات وعيد نيابية ووعود حكومية متكررة، والنتيجة هي تقرير آخر بعد عام، تتكرّر فيه المخالفات نفسها، والأخطاء نفسها، التي تعتبر فساداً بأنواع مختلفة في شتى المؤسسات الحكومية.
وكعادتنا في البحرين الحبيبة ننفرد بأشياء غريبة وعجيبة، وأول شيء ننفرد به هو وجود الفساد دون وجود مفسدين تتم محاسبتهم ومخالفتهم واستجوابهم وإقالتهم، أو إذا وُجد شخصٌ تحوم حوله الشبهات، يتم تدويره إلى منصب آخر، أو وضعه كمستشار «راتب بدون عمل»، وفي حالات أخرى يتم محاسبة أشخاص يعتبرون صغاراً جداً دون المسّ بأي شخص يعتبر «هامور».
النواب في جلستهم الماضية، هاجموا الحكومة وأكّدوا أن الأخطاء متكررة، وأنها لم تفعل شيئاً لأي مسئول عن الفساد، وانتقدوا ديوان الرقابة المالية الإدارية لعدم إحالته المتورطين إلى النيابة العامة كصلاحية معطاة له. كما أنهم عاتبوا أو انتقدوا الصحافة المحلية لأنها حمّلتهم مسئولية المساءلة الجنائية التي هي ليست من اختصاصهم، بينما اختصاصهم هي المساءلة السياسية.
وأتمنى أن يفعلها النواب ويفعّلوا المساءلة السياسية حقيقةً تجاه جميع الوزراء دون استثناء، رغم أن التجربة لا تشجّع ولا تجعل مؤشر التوقعات إيجابياً أبداً، فإسقاط استجوابين في الدور الماضي دون حتى التحقيق في الموضوع وقبل مناقشتهم في المجلس، مؤشر سلبي على كيفية التعاطي مع الاستجوابات.
وتفعيل المساءلة السياسية، يعني البدء بالكبير قبل الصغير، وأنه لا يوجد وزراء سوبر ووزراء عاديون وآخرون مستضعفون سيتم استجوابهم، فإذا أردتم محاربة الفساد فلتكن المساءلة السياسية لجميع الوزراء دون استثناء، ودون اصطفافات مصلحية مع أيٍّ منهم.
التجارب السابقة تجعل الناس غير متفائلين أبداً، ونحن أمام تجربة أخرى ستكون مهمة وفاصلة، إما في الاستمرار على الصورة التي وضعها الناس للنواب أو تغييرها ولو بشكل جزئي.
صحيح أن صلاحيات مجلس النواب والآليات تعيق في الكثير من الأحيان، ولكن هناك بعض النواب الذي تمثل إرادته المشكلة وليست الصلاحيات هي المشكلة.
والمهم، نتمنى أن تنتهي مقولة «كل عام والفساد بخير»، لأن هذا ما يؤكده تقرير الرقابة المالية بشكل سنوي، مع إمعان الوزراء والمسئولين في مخالفة القوانين وهدر المال العام بشكل فاضح، وهو ما يؤكد الحاجة إلى تغيير حقيقي يعزّز إرادة الناس وتمثيلهم.