هاني الفردان
يبدو أن أجهزة السلطة بدت فاقدة للاتزان خلال عملها الرسمي السياسي، وبدت الوزارات بوزرائها ومسئوليها غير قادرين على ضبط الإيقاع، وعدم الوقوع في الأخطاء نتيجة أوامر وتدخلات مفاجئة تربك حساباتهم، وتؤدي إلى الإخلال بخططهم وإستراتيجياتهم المستقبلية.
بعد الإرباك السياسي والدبلوماسي الكبير الذي تركه خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الثلثاء (24 سبتمبر/ أيلول 2013)، وتوصيفه المشهد البحريني بـ «التوتر الطائفي»، انتقل الإرباك إلى الشأن العمالي من خلال تراجع وزارة العمل عن التوقيع على اتفاقية ثلاثية تكميلية للاتفاقية السابقة الموقعة في (11 مارس/ آذار 2012) بين الحكومة، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين و «الغرفة»، تغطي ما تبقى من الملف وتضمن حقوق العاملين، وذلك برعاية منظمة العمل الدولية.
بعد الرئيس الأميركي وإرباكاته السياسية والدبلوماسية، جاءت مدير قسم معايير العمل الدولية كليوباترا تونبيا هنري (ذات الشخصية القوية) لتضيف للإرباك الرسمي البحريني السياسي الدبلوماسي إرباكاً جديداًعمالياً.
لماذا الإرباك العمالي؟، باختصار لأن وزارة العمل لا تملك زمام الأمور، ولا تستطيع قيادة دفة الأزمة العمالية في البحرين، فهي ضعيفة مرتبكة وخائفة ومتوجسة من أي تحركات معاكسة لما تقوم به، تتأثر سريعاً بالضغوط الخارجية، ولا تقدم أي استشارات فنية عمالية لحقيقة الأوضاع العمالية التي تمكن السلطة من خلالها في اتخاذ القرارات السليمة والصائبة والتي قد تنجيها من إرباكات مستقبلية، والمحاسبة الدولية.
هذا الإرباك أوقع السلطة بأكملها في إحراج مع منظمة العمل الدولية والتي تضم حكومات وعمالاً وأصحاب أعمال، والتي أرسلت بعثة كبيرة بقيادة كليوباترا وستة آخرين ليشهدوا توقيع الاتفاق الثلاثي وبدعوة من السلطة البحرينية.
يقول وكيل وزارة العمل صباح الدوسري إن السبب الرئيسي وراء «تأجيل» التوقيع على الاتفاق الثلاثي هو «المزيد من الدراسة»!
فليعذرني وزير العمل جميل حميدان، ووكيله أبوعبدالله، فهذا الرد وهذا السبب «مضحك جداً»، فالمنطق والعقل سيسألان عن أسباب دعوة بعثة منظمة العمل الدولية لزيارة البحرين وحضور التوقيع على الاتفاقية التي لم تدرس من قبل الحكومة! حتى وإن أنكرت السلطة الآن الأسباب الحقيقية للزيارة للهروب من مأزق رفض التوقيع.
كيف أرسلت الحكومة الاتفاقية إلى منظمة العمل الدولية للاطلاع عليها قبل أن تستكمل دراستها، وقبل إحالتها للجهات القانونية للاطلاع عليها، أيوجد إرباك أكبر من هذا الإرباك الرسمي والعلني والمحرج؟!
كم هو مضحك ومربك أن تحضر بعثة دولية إلى البحرين بدعوة رسمية من السلطة لحضور التوقيع الثلاثي، ومن ثم تخبرها في اللحظات الأخيرة بأن الحكومة تراجعت لدواعي «المزيد من الدراسة».
هي فضيحة بكل المعايير، المهنية، وحتى الأخلاقية، التي تشعر فيها بعثة دولية بعد وصولها إلى البحرين بأقل من يوم واحد، بأن الهدف الذي جاءت من أجله لن يتحقق، وأن السلطة تراجعت عن مواقفها، بحجة واهية وذرائع غير منطقية وهي «حاجة الاتفاقية للمزيد من الدراسة» وعرضها على القانونيين.
ربما تكون الاتفاقية بحاجة لمزيد من الدراسة، ولكن قبل دراستها يجب إقالة كل من عمل عليها من الجانب الرسمي، الذي قبل بها، وأقرّها، وتوافق عليها من الأطراف الأخرى، وعلى إثر ذلك أرسلها لمنظمة العمل الدولية للاطلاع على بنودها، ومن ثم دعوتهم لحضور توقيعها، يجب إقالتهم لأنهم أخفقوا في عملهم، وأربكوا السلطة، ووضعوها في موقف دولي مرتبك.
والسؤال، لماذا بعد أن وصلت بعثة منظمة العمل الدولية للبحرين قررت السلطة أن الاتفاقية بحاجة إلى مزيد من الدراسة؟ هل لأن المسئولين في وزارة العمل غير قادرين على القيام بمهامهم؟ أم لأنهم لم يفهموا التوجهات الرسمية، ولم يستطيعوا أن يفرضوا السياسة العامة للسلطة في تلك الاتفاقية، والتي احتاجت تدخلاً رفيع المستوى لإيقافها في اللحظات الأخيرة قبل التوقيع عليها، وهل صحيح أن الاتفاقية ستسمح بتدخلات خارجية!
عدم التوقيع على الاتفاقية الثلاثية، سيبقي الشكوى التي قدمتها 12 منظمة عمالية ضد حكومة البحرين، بخصوص عدم تقيدها باتفاقية التمييز (التوظيف والمهنة)، 1958 (رقم 111) قائمة، وستزيد من حجم الإرباك للسلطة في كل اجتماعات منظمة العمل الدولية.
السلطة مرتبكة ومربكة بين «تأزيميين» لا يريدون أبداً إنهاء ملف المفصولين البحرينيين، لدواعٍ «طائفية» يعرفها الجميع، وبين بقاء الشكوى العمالية الدولية المرفوعة ضدها منذ مارس/ آذار 2012 وحتى الآن.
«رب ضارة نافعة»، فإرباك السلطة في الكثير من المواقف يفيد لا يضر، فرفضها زيارة مقرر التعذيب، خلق هالة إعلامية عالمية ضد البحرين، حتى أربك السلطة في كل المحافل الدولية.
وحديث السلطة عن أزمة طائفية في البحرين، أربكها، أيضاً عندما حمل الرئيس الأميركي هذا اللواء أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهي التي لم تحسب لذلك حساباً، فتراجعت وأنكرت ذلك التوصيف، ولكن عندما قضي القضاء وربطت البحرين بالبعد الإقليمي.
على الصعيد العمالي الإرباكات كثيرة، من فضيحة المخالفة القانونية لوزارة العمل وقفزها على قانون النقابات العمالية، في الجانب الخاص بـ «التعددية النقابية» وإشهار الاتحاد الحر للنقابات، فقط لأن توجيهات عليا باركت «الاتحاد» حتى وإن خالفت القانون، إلى قرار احتساب إجازة العمل في القطاع الخاص، وكيف انقلبت الحكومة في اللحظات الأخيرة على وزيرها، ودون أن يكون له علم بذلك، وخصوصاً أنه كان متمسكاً وبشدة بآلية الاحتساب تقوم على أساس «أيام العمل»، فيما أقرّت الحكومة آلية «أيام حسابية عادية».
يبدو أن مشهد الإرباكات الحكومية سيستمر، وأضاف خلال اليومين الماضيين على الإرباك السياسي الدبلوماسي، إرباكاً عمالياً، يزيد من حجم التخبط الذي تعيشه الجهات الرسمية مؤخراً.