كلمة نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي،
رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، الدكتور عبد المجيد الرافعي،
في الذكرى الـ 68 لتأسيس (البعث) – بيروت في 7/4/2015
الأخوة والرفاق قادة وممثلو الأحزاب والقوى الوطنية
الأخوة والرفاق ممثلو فصائل الثورة الفلسطينية
الأخوة القادة النقابيون وممثلو هيئات المجتمع المدني
أيتها الرفيقات والرفاق
أيها الأخوة والأخوات
نرحب بكم ونحن نحيي هذه الذكرى المجيدة، ذكرى تأسيس حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي نضيء وإياكم شمعته الثامنة والستون، طاوين بذلك مسيرة نضالية تعمدت بدم الشهداء ومعاناة الجماهير على أرض العروبة في مواجهة أعداء الأمة المتعددي المشارب والمواقع.
نحيي وإياكم هذه المناسبة، وأمتنا العربية تعيش لحظات حاسمة في تاريخها المعاصر في ظل تصاعد العدوانية عليها من داخل الوطن ومداخله، وفي استحضار أكثر عنفاً وأكثر تكثيفاً في أحداثه لتلك التي خيمت على الأمة لسبعة عقود خلت، يوم فرض عليها أن تدفع من أرضها وأمنها ثمناً معجلاً لتداعيات انهيار نظام دولي قديم وتشكل آخر جديد: واليوم يراد للإطباق عليها أن يفرض عليها دفع ثمن مؤخر لإكمال تنفيذ حلقات المخطط الصهيو- استعماري، الذي أقام قاعدته الارتكازية على أرض فلسطين ويسعى لانتزاع اعتراف فلسطيني وعربي بشرعية هذا الاغتصاب، عبر شل قدرة المواجهة والرفض لوجوده انطلاقاً من رسم خارطة سياسية جديدة للوطن العربي، تكون حدود مكوناته الوطنية في إطار مكونه القومي مرسومة بحدود تموضع الطوائف والمذاهب والعرقيات.
إننا ونحن ننظر اليوم إلى الواقع العربي الذي يلتهمه اللهيب المشتعل من مشرق الوطن إلى مغربه، نراه لهيباً واحداً وأن تعددت الأطراف التي تؤجج أواره.
وإذا كانت المناسبة لا تتسع للتوقف عند تفصيلات هذا اللهيب، أسباباً ومقدمات ونتائج، إلا أن ما يجب التوقف عنده، هو التأكيد بأن المخاطر الناجمة عن هذا اللهيب والتي تتعدد مصادرها إنما تتآلف في سياقات واحدة في ظل قيادة الموقع الأميركي باعتباره الأكثر تأثيراً في إدارة السياسية الدولية.
إن أميركا التي تعتبر أمن النفط وأمن الكيان الصهيوني يرتقي إلى مستوى أمنها القومي طرحت تشكيل منظومة إقليمية تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير لا فرق. باتت تلعب دور القيادة الاستراتيجية لحلف إقليمي يشكل الكيان الصهيوني والنظام الإيراني وتركيا وأثيوبيا متكآت ميدانية وتنفيذية له، وبات دور كل واحد من هذه المواقع يكمل بنتائجه دور الآخرين ورغم كل زعم وإدعاء معاكسين.
إن ما جعل هذا الحلف غير المقدس يحقق بعضاً من أهدافه في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان، هو العجز العربي والانكشاف الذي تعرضت له الأمة بعد إخراج مصر من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني، وبعد ضرب ثورة فلسطين والعدوان على العراق الذي كان يشكل المَصَدّ القومي للخطر الذي يتهدد الوطن العربي من مداخله الشرقية. وأن ما زاد الأمور خطورة على الأمن القومي العربي، هو التهديد المتصاعد للبنيات الوطنية والمجتمعية من خلال ارتفاع منسوب الخطاب المذهبي والطائفي وبروز تشكيلات طائفية ومذهبية تتعدد مصادر إرضاعها، وترتبط بمواقع دولية وإقليمية، وتمارس من موقع الفعل ورد الفعل كل أشكال الإرهاب السياسي والمادي والتكفير الديني.
أيها الأخوة والأخوات
الحضور الكريم
إن أمننا القومي في خطر، وتجليات هذا الخطر منظورة على مستوى الكل القومي والفرع الوطني، وأن التصدي لهذا الخطر، لا يستقيم إلا عبر مشروع قومي شامل، تنصهر فيه إمكانات الأمة لإعادة توظيفها في سياق مشروع يتسم بالهجومية على مستوى الموقف أولاً، وعلى مستوى الأداة والآليات ثانياً، وعدم التحجر في المواقف من تطور الأوضاع ثالثاً، والنقد الذاتي للأخطاء التي وقعت فيها الحركة القومية في المرحلة الماضية رابعاً.
إننا إذ نؤكد على إعادة بلورة ركائز المشروع القومي العربي وآلياته العملية، فلأجل تحقيق الامتلاء السياسي على مستوى الأمة، ووضع حدٍ للفراغ الذي مكّن القوى المعادية من الإطباق عليها، ولأن المشروع الدولي الساعي للهيمنة على الوطن العربي، من خلال مشروع تقسيمي على أسس مذهبية وطائفية، لا يرد عليه بمشروع مذهبي وطائفي آخر، وإلا نكون قد وقعنا في الفخ الذي ينصب لهذه الأمة لإعادة ربطها بعجلة الأحلاف مجدداً والذي لن يكون إلا على حساب أمنها وحق شعبها في الحرية والتقدم.
إن إعادة الاعتبار للأمة العربية عبر مشروع قومي متكامل في أهدافه السياسية الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية وحيث تلعب المواقع الجاذية والارتكازية فيه دور القاطرة والمصعد، ونقصد بذلك الموقع المصري، لنشدد على استعادة مصر لدورها وموقعها عبر استحضارها لعناوين الخطاب القومي الذي ساد إبان الحركة الناصرية، وخاصة ما تعلق بفلسطين والوحدة العربية، وهذا هو الذي يمكّن الأمة من المبادرة للتصدي للأزمات الوطنية العربية، وخاصة تلك التي أخذت طابعاً بنيوياً من سوريا إلى العراق ومن اليمن إلى ليبيا، مروراً بكل الساحات التي تعيش أوضاعاً سياسية مأزومة.
إن هذا المشروع العربي الهادف إلى حماية الأمن القومي العربي من مخاطر الاحتلال والغزو والتخريب المجتمعي الذي تقوم به قوى ذات بنية ومنطلقات مذهبية وطائفية، يُمكّن الأمة من أن تلعب دورها وخاصة لجهة حضورها في تعريب الحلول للأزمات في مواجهة تدويلها وأقلمتها. وإذا ما قُيّض لهذا المشروع أن يتشكل وتتبلور معالمه عبر الانشداد إلى مركزية أهداف الأمة في التحرر والتوحد، فعندها لا تعود فلسطين تعيش حالة اليتم القومي، وتُهدَّد أرضها بالصهينة، وما تبقى من شعبها "بالترانسفير" كما لا يعود النظام الفارسي يتجرأ على القول علناً بأن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية وأن سوريا محتلة، وانها هي التي حررت 85% من أرضها المحتلة وأن طهران باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية، بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.
أيها الحضور الكريم
إن إعادة الاعتبار للدور العربي في معالجة أزمات الأمة، يساعد لبنان على تجاوز أزمة الحكم التي يعاني منها بعدما تمادي الشغور في رئاسة الجمهورية الذي ندعو لإنجازه، وإعادة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية، وتوفير الدعم والتغطية السياسية للجيش في مهامه الوطنية وكما سائر القوى الشرعية لحماية الأمن الوطني وأمن المواطن.
كما إن الدور العربي يكتسب أهمية أكثر في المساعدة على وضع حدٍ للصراع المتفجر في سوريا، عبر رعاية حل سياسي يضع حداً للانكشاف الوطني ويفسح المجال أمام إعادة وحدة القطر وهيكلة الحياة السياسية على قواعد التعددية والديموقراطية وتداول السلطة وإنهاء إمساك المنظومة الأمنية بكل مفاصل الوضع السياسي والاقتصادي.
والدور العربي مطلوب عراقياً في مواجهة ما يتعرض له هذا القطر العربي الذي قدم أبناءه تضحيات كبيرة في مقاومة الاحتلال الأميركي والتصدي للغزو الإيراني المكشوف والمعلن الذي ينفذ ما عجز عنه المحتل الأميركي.
هذا الدور العربي في العراق يجب أن يكون مفتوحاً على احتضان المشروع الوطني الذي يحاكي الطموح الشعبي والذي يوفر الضمانة لوحدة العراق أرضاً وشعباً ومؤسسات، وما يفسح المجال أمام إنتاج عملية سياسية بديلة عن تلك التي أفرزها الاحتلال والتي بالإصرار على السير بها عبر الرعاية الأميركية – الإيرانية إنما تدفع العراق إلى أتون التقسيم المناطقي والمذهبي والعرقي.
إن ما ينطبق على العراق وسوريا في إطار هذه الرؤية الاستراتيجية، إنما ينطبق على ليبيا، وحق شعبها على أمتها في المساعدة على وضع حدٍ لمأساتها الوطنية وإعادة انتظام الحياة فيها على قواعد المساواة في المواطنة وإنهاء الصراع القبلي والجهوي.
أما ما يجدر التوقف عنده بشكل خاص، هو الدور العربي في اليمن، الذي تلتهب ساحته من جراء انهيار العملية السياسية التي أنتجها مؤتمر الحوار الوطني والدخول على أزمتها بالحسم العسكري في مواجهة التمرد العسكري المدعوم من إيران، فهذه العملية وإن كنا نتفهم ونؤيد مبرراتها، إلا أننا نرى وجوب أن تكون محكومة بضوابط الهدف السياسي، المتمحور حول إسقاط الأسباب التي خربت العملية السياسية التي استبشرنا بها خيراً، والعمل لإعادة إنتاج حلٍ وفق مخرجات الحوار الوطني دون إقصاء أو إلغاء لأحد، ومن ضمن خطة إنماء اقتصادي واجتماعي شاملة، وحتى يشعر شعب اليمن أن الأمة العربية حريصة على أمنه واستقراره واستقلال خياراته الوطنية،
أيها الأخوة والأخوات
إذا كنا نَنْشَدُ بالأنظار إلى مسارح العمليات الساخنة وما سيترتب عليها من نتائج، إلا أن هذا لن يُغرِّب نظرنا عن القضية التي كانت وستبقى قضية العرب المركزية. ففلسطين التي قال عنها شهيد الحج الأكبر القائد صدام حسين، هي في عيوننا وفي قلوبنا إذا ما استدرنا إلى أي من الجهات الأربع، والتي قال فيها القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق فلسطين طريقنا إلى الوحدة، ستبقى القضية التي تصب فيها كل روافد النضال الوطني، حيث انتصار المشروع المقاوم الذي حملت لواءه المقاومة العراقية هو انتصار لفلسطين، وانتصار مشاريع التغيير الوطني الديموقراطي وحماية المكونات الوطنية من التقسيم والتفتيت على مساحة الوطن العربي، هو انتصار لها، وإسقاط منظومة الشرق الأوسط الكبير بكل مرتكزاته الإقليمية هو انتصار لها، لكن يبقى الانتصار الأهم، هو إعادة توحيد القرار الفلسطيني على مستوى الأداء المقاوم ومستوى الأداء السياسي والعلاقات مع الخارج وهذا ما نؤكد وندعو إليه.
الحضور الكريم
أيتها الرفيقات والرفاق
إننا في هذه المناسبة، مناسبة الذكرى الثامنة والستين لتأسيس الحزب الذي قدم قوافل الشهداء على مدى مسيرته النضالية الطويلة، ما انتابه اليأس والقنوط يوماً من إمكانية استنهاض لهذه الأمة، والتي كما انطلقت من رحمها ثورة الجزائر وفلسطين ومقاومة العراق والمقاومة الوطنية اللبنانية في ذروة النهوض الوطني في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وانطلق حراكها الشعبي ضد نظم الاستبداد والظلم قبل أن يُطبَق عليه ويُختَرَق من قوى معادية للعمل الوطني من خارجها وداخلها، هي قادرة على الانبعاث مجدداً، وهي لن تنام على ضيم أو تسكت على محتل وغاز ومخرب لأمنها القومي والمجتمعي.
إن جماهير أمتنا ستبقى تصدح على لحن بلاد العُرب أوطاني وستبقى القومية العربية عنواناً تُعرَف به هويتنا، وستبقى معركة الحرية معركة حياة أو موت وستبقى معركة المصير الواحد هي ميدان النضال للقضاء على الاستلاب القومي الاجتماعي.
في هذه المناسبة التي افتتح الرفاق المؤسسون المؤتمر التأسيسي الأول بشعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، نردده معكم اليوم، مؤكدين لكل الذين يناصبون العداء للأمة بأن القدس ليست مستوطنة بل هي عاصمة فلسطين، وأن بغداد لن تكون إلا عاصمة العروبة، ودمشق لن تكون إلا عربية الهوى والهوية.
تحية لكم على مشاركتكم لنا إحياء هذه المناسبة التي هي مناسبة قومية بامتياز،
وتحية للقائد المؤسس ولكل الرفاق الذين أطلقوا هذه الحركة التاريخية.
تحية لشهيد الحج الأكبر القائد صدام حسين.
تحية للأمين العام للحزب الرفيق عزة إبراهيم وكل الرفاق الذي يسيرون درب الجلجلة في عراق الحق القومي والرسالة الخالدة.
تحية للأسرى والمعتقلين في فلسطين المحتلة والعراق المقاوم.
عاشت فلسطين حُرة عربية، عاشت الأمة العربية.
المجد والخلود للشهداء الأبرار
والسلام عليكم
الدكتور عبد المجيد الرافعي
بيروت في 7/4/2015